أبرز المشاركون في ندوة، انعقدت مساء أمس الخميس بالداخلة، أهمية الدور الاستراتيجي الذي يضطلع به المغرب في تعزيز أسس السلم والاستقرار ومكافحة الإرهاب في القارة الإفريقية. وأوضحوا، خلال هذه الندوة التي نظمها حزب جبهة القوى الديمقراطية في موضوع “العلاقات المغربية – الإفريقية: التعاون جنوب – جنوب ومساعي المغرب لتعزيز السلم وتضامن الشعوب”، أن المملكة تعتمد استراتيجية سياسية ودبلوماسية وأمنية رائدة تولي كل اهتمامها للحفاظ على أمن الدول واستقرارها في إفريقيا.
وفي هذا الصدد، أكد الكاتب والإعلامي الجزائري، أنور مالك، أن هذه الاستراتيجية المغربية، التي تعتبر مثالا ينبغي تدريسه للأجيال المقبلة، تسعى إلى إحلال السلم ودعم وحدة الشعوب والقضاء على كل الأزمات واحتوائها وحل النزاعات بطرق سلمية، وليس النفخ فيها ومحاولة الاستفادة منها، مستشهدا في هذا الصدد بجهود المغرب في احتواء الأزمة القائمة في ليبيا.
وأضاف الإعلامي الجزائري أن “المغرب يعمل على احتواء الأزمات القائمة عن طريق إعمال سبل الحوار والتعاون الدولي والاستثمار في الإنسان ومساعدة الدول، لاسيما تلك التي تعيش على وقع أزمات سياسية واقتصادية، عكس النظام العسكري الجزائري الذي يفكر بمنطق الأزمة أو إشعال الأزمة”.
وتابع بالقول “بالرغم من الإجراءات التي اتخذت من الجانب الجزائري لضعف النظام القائم، فإن المغرب لم يرد بالمثل ولم يبادر إلى الهجوم على النظام الجزائري، ولا إلى قطع العلاقات أو غلق الأجواء والحدود أو تعليق الرحلات”، مؤكدا أن سياسة المغرب ترتكز على تشجيع التعاون بين الدول على مواجهات التحديات وعدم النفخ في النزاعات التي من شأنها الإضرار باستراتيجية السلم والتعايش.
وبالمقابل، يضيف السيد مالك، فإن “الطرف الجزائري يحاول دائما الذهاب بعيدا باستغلال الدبلوماسية والثروات لضرب مصالح المغرب في القارة الإفريقية”، مؤكدا في هذا الصدد أن المغرب لم يحاول استغلال النزعات الانفصالية التي تظهر وتتنامى في الجزائر، كما لم يحاول استغلال فترة التسعينات حينما سيطرت جماعات إرهابية على بعض المناطق داخل البلاد.
من جهة أخرى، تطرق السيد مالك إلى التجربة المغربية في محاربة الإرهاب الذي أضحى ظاهرة عابرة للحدود في منطقة الساحل والصحراء، مشيرا إلى أن هذه التجربة الرائدة ارتكزت على عدد من المحاور، من بينها المحور الأمني ثم الجانب الفكري والروحي الذي يستهدف توعية الناس وتجفيف المنابع الفكرية لهذه الظاهرة، والتصدي لمشاريع تخدم الإرهاب في المنطقة (إيران نموذجا).
من جانبه، أبرز مدير مركز الصحراء وإفريقيا للدراسات الاستراتيجية، عبد الفتاح الفاتحي، أن المغرب أضحى، بعد عودته إلى الاتحاد الإفريقي، شريكا دوليا موثوقا لتعزيز الأمن والسلم الدوليين في إفريقيا، وفاعلا رئيسيا في الجهود الرامية إلى دعم ومناصرة بلدان القارة.
وشدد السيد الفاتحي على أن “عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي لم تأت فقط لتعزيز موقفه التفاوضي أو لكبح قرارات المنظمة الإفريقية التي كانت تكتبها الجزائر من محبرة انفصالية، بل لأسباب جيو سياسية كبرى ترتبط بالمسار التاريخي للثقافة والحضارة المغربية الممتدة على فضائها الإفريقي”.
وأضاف أن هذه العودة إلى الاتحاد الإفريقي، وإن مكنت المغرب من تحقيق مكاسب على مستوى قضية الصحراء، فقد ساهمت في تحقيق مكاسب جيو سياسية لصالح إفريقيا التي أصبحت منطقة جذب عالمي ومحط تنافس عدد من القوى الدولية الكبرى كالولايات المتحدة والصين وروسيا والهند وغيرها.
وتابع أن المملكة لا تريد فقط ربح مواقف بعض الدول الإفريقية التي فتحت قنصلياتها بالأقاليم الجنوبية، بل تسعى إلى إعادة النظر في النقاش السياسي الذي لا يخدم تثبيت الأمن والاستقرار في إفريقيا، والعمل على توجيهه نحو المناحي الاقتصادية أو مواقف إفريقية موحدة تستطيع التفاوض نديا مع القوى العالمية وتعمل على عدم تحول القارة إلى مسرح لعمليات عسكرية كما هو الحال اليوم في أوكرانيا.
وأكد أن المغرب لم يتخل يوما عن التزاماته التاريخية تجاه إفريقيا، بل عمل على توفير مشاريع اقتصادية واستثمارية ذات ب عد إنساني وجيو استراتيجي لصالح المواطن الإفريقي، تجسد بالملموس خيار التعاون جنوب – جنوب القائم على التضامن والندية حول المشاريع وفق مبدأ رابح – رابح.
من جهته، قارب الباحث في قانون الأعمال والتاريخ الدبلوماسي، بدر الزاهر، موضوع الندوة من وجهة نظر اقتصادية، عبر الترويج للنموذج الاقتصادي الذي يسعى المغرب إلى تنزيله على أرض الواقع في أقاليمه الجنوبية، كجزء من نموذج اقتصادي أكبر يطمح من خلاله إلى تحقيق إقلاع اقتصادي حقيقي للمنطقة ككل وفق الإرادة المعلنة لجلالة الملك. وبعدما أبرز الأهمية التي تكتسيها الأقاليم الجنوبية والمكانة التي أضحت تتبوأها ضمن التحولات الاقتصادية الكبرى، أكد السيد الزاهر أن المغرب يريد أن يجعل من هذه الربوع العزيزة من ترابه الوطني منصة اقتصادية في اتجاه عمقه الإفريقي خصوصا وبلدان الجنوب على وجه العموم.
ولتحقيق هذه الغاية، يضيف السيد الزاهر، فقد أطلق المغرب النموذج التنموي الجديد للأقاليم الجنوبية الذي شكل المحرك الأساسي لعدد من الأوراش الكبرى التي يتم تنزيلها وإنجازها، مشيرا إلى أن الداخلة ستتحول بفضل هذه المشاريع، لاسيما الميناء الأطلسي، إلى منارة ومدينة دولية ذات إشعاع اقتصادي قوي على كل مناطق الجنوب، ومن بينها البلدان الإفريقية.
يشار إلى أن هذه الندوة تندرج في إطار سلسلة ندوات ينظمها حزب جبهة القوى الديمقراطية لتسليط الضوء على علاقات المغرب مع جيرانه.
التعليقات مغلقة.