+ د.عبد النبي عيدودي: يسلك موضوعي هذا الرامي إلى الخوض في موضوع إصلاح مدونة الأسرة منهجية من ثلاثة محاور: المحور الأول يخصص لثلاثة مقدمات لا بد منها، والثاني يحلل أربع فقرات من الخطاب الملكي السامي متعلقة بسياسة الإصلاح المحددة في خطاب العرش 2022 من منظور جلالته ، وخصصت المحور الأخير للعروج على القضايا الخلافية التي يطرحها موضوع إصلاح مدونة الأسرة .
أ- المحور الأول :ثلاثة مقدمات لا بد منها
– مقدمة رقم 1:
ماذا تنتظر حكومتنا المترهلة، سنة مرت على دعوة جلالة الملك محمد السادس نصره الله لإطلاق ورش إصلاح مدونة الأسرة ؟ ماذا تنتظر حكومتنا المترهلة لتطلق ورش إصلاح القانون الجنائي الذي سُحب منذ سنتين ؟ ماذا تنتظر حكومتنا المترهلة لإطلاق الدعم المباشر للمواطنين ؟ وماذا تنتظر حكومتنا المترهلة للرفع من الأجور والحد من تداعيات ارتفاع الأسعار؟ ماذا تنتظر حكومتنا المترهلة لمزيد من التمكين الاقتصادي و السياسي و الاجتماعي و القانوني و الحقوقي للمرأة المغربية ؟
– مقدمة رقم 2:
في سنة 2002-2003 كنا نقرأ كتاب الأستاذ خالد البرحاوي (مدونة الأحوال الشخصية ) وكان النقاش فقهيا و حاد معه كل أسبوع بمدرجات جامعة محمد الخامس كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية السويسي… فأردف هذا النقاش بخطة إدماج المرأة في التنمية تُوج بإصدار مدونة الاسرة في 5 فبراير 2005 بمثابة قانون للأحوال الشخصية المغربية .
– مقدمة رقم 3:
بعد مرور 18 سنة أعلن جلالة الملك محمد السادس نصره الله في خطاب العرش 2022 على ضرورة مراجعة هذه المدونة في إطار مؤسساتي لسد كل النقائص التي لحقتها وفق منهجية عمل واضحة وسأمسك بتلابيب الخطاب الملكي في شقه المتعلق بإصلاح مدونة الأسرة من خلال تحليل أربع فقرات منه أطرت ووجهت مسار الإصلاح الملكي المنشود لمدونة الاسرة :
ب:المحور الثاني :
أربع فقرات في الخطاب الملكي السامي لعيد العرش 2022 في شقه الأسري جديرة بالتأمل و الفهم و التحليل .
- الفقرة الأولى من المنطوق السامي في شقه الأسري :
- رفض جلالته أن تحرم المرأة من حقوقها و دعا إلى ضرورة إشراك المؤسسات الدستورية المكلفة بالأسرة في هذا الإصلاح فقال في خطابه:( لا يمكن أن تحرم المرأة من حقوقها. وهنا، ندعو لتفعيل المؤسسات الدستورية، المعنية بحقوق الأسرة والمرأة، وتحيين الآليات والتشريعات الوطنية، للنهوض بوضعيتها.) يعني أن جلالته حريص كل الحرص على أن تتمكن المرأة المغربية من جميع حقوقها الاقتصادية و الاجتماعية و القانونية و السياسية و المدنية .. كما وجه جلالته كل المؤسسات الدستورية التي يدخل في نطاق اختصاصها هذا التمكين بالقيام بمهامها و المشاركة في هذا الإصلاح ، وهي دعوة تهم المجلس الوطني لحقوق الانسان و المجلس العلمي الأعلى و المجلس الوطني للتربية و التكوين و مجلس الأسرة و الطفل و كل المؤسسات الدستورية التي لها علاقة من قريب أو بعيد بالمرأة و الطفل و الأسرة .. و هذا يدفعنا إلى مزيد من الاطمئنان .. فانقسامات أمس حول إصلاح المدونة و تشكيل لجنة ملكية للإصلاح و التوفيق بين التيار الحداثي و التيار المحافظ سيحل محلها اليوم المؤسسات الدستورية التي جاء بها دستور 2011 و على الجميع أن يكون مؤمن بمغرب المؤسسات و بالقرارات التي تصدر عن المؤسسات الدستورية و هنا سننتظر الصفة النهائية لمشروع إصلاح مدونة الأسرة المغربية ترفع من طرف هذه المؤسسات إلى السدة العالية بالله ليصادق عليها ويزكيها بصفته أمير المؤمنين و الوصي عن بيضة الأمة ووحدتها.
- الفقرة الثانية من المنطوق السامي في شقه الأسري :
- أكد جلالته على ضرورة تصحيح المفاهيم فما هي المدونة و ما هي أركانها .. و ما هي العوائق التي تقف أمامها .. و ما هي القواعد الممكنة لإصلاح المدونة وفق التطورات السوسيولوجية المتعددة..
فقد جاء في نص الخطاب السامي : (وإذا كانت مدونة الأسرة قد شكلت قفزة إلى الأمام، فإنها أصبحت غير كافية، لأن التجربة أبانت أن هناك عدة عوائق، تقف أمام استكمال هذه المسيرة، وتحول دون تحقيق أهدافها. ومن بينها عدم تطبيقها الصحيح، لأسباب سوسيولوجية متعددة، لاسيما أن فئة من الموظفين ورجال العدالة، مازالوا يعتقدون أن هذه المدونة خاصة بالنساء. والواقع أن مدونة الأسرة، ليست مدونة للرجل، كما أنها ليست خاصة بالمرأة؛ وإنما هي مدونة للأسرة كلها.
فالمدونة تقوم على التوازن، لأنها تعطي للمرأة حقوقها، وتعطي للرجل حقوقه، وتراعي مصلحة الأطفال)، هذه الفقرة تؤكد حكمة وتبصر جلالته ، حيث ضبط المفهوم أولا وصححه لعدد كبير من رجال العدالة و باقي الفاعلين، فعرَّف المدونة بأنها ليست للمرأة بل هي للرجل و للمرأة و الطفل على حد سواء، ميثاق ترابط غليظ يضمن حقوق المرأة و حقوق الرجل و حقوق الأطفال، و لا مدونة إلا بثلاثة أركان (رجل-وامرأة-وأطفال).. ولأن التجربة التي عاشتها المدونة منذ 2005 عرت على العديد من العيوب و النواقص و العوائق (- سنتناولها في المحور الثالث -)أصبح لزاما علينا مراجعتها.
3- الفقرة الثالثة من المنطوق السامي في شقه الأسري :
وشدد جلالته على التزام الجميع بالتطبيق الصحيح لنصوص المدونة 🙁 لذا، نشدد على ضرورة التزام الجميع، بالتطبيق الصحيح والكامل، لمقتضياتها القانونية. كما يتعين تجاوز الاختلالات والسلبيات ، التي أبانت عنها التجربة ، ومراجعة بعض البنود ، التي تم الانحراف بها عن أهدافها ، إذا اقتضى الحال ذلك. وبصفتي أمير للمؤمنين ، وكما قلت في خطاب تقديم المدونة أمام البرلمان ، فإنني لن أحل ما حرم الله، ولن أحرم ما أحل الله ، لاسيما في المسائل التي تؤطرها نصوص قرآنية قطعية.) يدافع جلالته على ضرورة التطبيق الصحيح و الكامل لبنود المدونة .. كما يدافع على ضرورة الإصلاح و تقويم كل النقط السلبية التي عرت عليها تجربة 18 سنة من العمل بالمدونة .. كما حسم جلالته في النقط الخلافية التي تتعارض و روح الشريعة الإسلامية .. فأكد بعدم الخوض في الأمور التي تؤطرها نصوص قطعية الدلالة وهي إشارة من جلالته واضحة لمن يريد الخوض في مواضيع المساواة في الإرث و حرية التحكم في الجسد والعلاقات الرضائية و الخيانة الزوجية وغيرها .
- الفقرة الرابعة من المنطوق السامي في شقه الأسري :
- كما وضع جلالته منهجية العمل خلال مراحل إعداد مراجعة المدونة حيث قال في منطوقة السامي :(ومن هنا، نحرص أن يتم ذلك ، في إطار مقاصد الشريعة الإسلامية ، وخصوصيات المجتمع المغربي، مع اعتماد الاعتدال والاجتهاد المنفتح ، والتشاور والحوار ، وإشراك جميع المؤسسات والفعاليات المعنية)
حسم جلالته في منهجية العمل بضرورة فتح نقاش مجتمعي و إشراك المؤسسات الدستورية في إعداد هذا الإصلاح مع مراعات مقاصد الشريعة الاسلامية و ترك باب الاجتهاد المنفتح على قواعد الاستحسان و الاستصحاب و المصالح المرسلة .
ج- المحور الثالث :قضايا خلافية في إصلاح مدونة الأسرة .
إن التوجه الحداثي الذي تبنته المنظمات الحقوقية والصالونات الحداثية يبقى محل نظر، خصوصا عندما يتعلق الأمر بمواضيع محسومة بالنص الشرعي القطعي الدلالة الذي لا يتحمل أكثر من وجهة كالإرث، ( يوصيكم الله في أولادكم لذكر مثل حظ الأنثيين ) فلا اجتهاد مع ورود النص القرآني القطعي الدلالة . لكن مواضيع عديدة كموضوع المساواة في الإرث عرف سجالا مجتمعية ضخم لم يُحسم إلى الآن ، ومنها من أصبح وصمة عار تطال بعض بنود مدونتنا، في ظل القفزة الحقوقية التي عرفها المغرب انسجاما مع المواثيق الدولية التي صادق عليها في هذا المضمار.
ومن ضمن القضايا الخلافية التي تحتاج الإصلاح بمدونة الأسرة نجد:
- زواج القاصرات !
- غياب تكوين للخطيبين حول مؤسسة الزواج!
- تعدد الزوجات!
- إشكالية حرمان المرأة من المتعة حال تقدمها بطلب التطليق!
- سلطة تقديرية واسعة للقضاء في تحديد مستحقات الزوجة!
- الوساطة الأسرية كبديل عن الصلح القضائي.
- إشكالية آثار الطلاق خصوصا ما يتعلق بحق الكد والسعاية للمرأة المطلقة!
- عدم تمكين الأم الحاضنة من الولاية على أبنائها، وأن زواجها يسقط حضانتها!
- العلاقات الرضائية وإشكالية لحوق النسب خصوصا في ظل توفر الخبرة الجينية كوسيلة من وسائل ثبوت النسب!
10.المساواة في الإرث!
يتبع
التعليقات مغلقة.