إيطاليا .. كل الطرق تؤدي إلى روما !
ميلانو / نابولي _ عبد العلي جدوبي: تعد إيطاليا إحدى المحطات الأولى للمهاجرين غير النظاميين القادمين من إفريقيا والذين يعبرون البحر الابيض المتوسط أملا في الوصول الى إيطاليا وتحديدا نحو جزيرة ( لامبيدوزا ) التي تجاوزت قدراتها الاستيعابية مساحتها الصغيرة ، فخلال السنة الماضية تم تسجيل 130 ألف مهاجر قدموا الى هذه الجزيرة ، جميعهم من ساحل العاج وغينيا وغامبيا ، وقد اثار هذا الوضع جدلا سياسيا في ايطاليا ، وأعاد الحديث مرة أخرى حول مدى مسألة التنسيق الاوروبي ، والمتعلق بالهجرة وتوزيع طالبي اللجوء على مختلف الاعضاء في الإتحاد الاوروبي لدعم الدول المتواجدة في الخطوط الأمامية لإستقبال الوافدين ومنها ايطاليا .
هذا الوضع في الهجرة غير النظامية ، اثر بشكل مباشر على وضعية المهاجرين المغاربة المقيمين بايطاليا بصفة قانونية ، وبدأ الحديث من طرف اليمين الايطالي المتطرف عبر مختلف وسائل الاعلام الإيطالية ، مطالبا حكومة بلادهم بالعمل الفوري على محاصرة هذه الظاهرة بمقاربة أمنية ؛ وكان حزب جورجينا ميلوني (إخوة ايطاليا ) قد تعهد خلال الحملات الإنتخابية السابقة بالدفع في اتجاه التنفيذ مشروع الحزب ، الرامي الى ” بناء الحدود المتقدمة ” وذلك بانشاء مراكز توثيق للمهاجرين في شمال دول افريقيا بناء على تفاهمات مع حكوماتها على اساس دراسة ملف المهاجرين انطلاقا من هناك ، وكان الاعتقاد السائد في سياسة الحكومة في سياسه الإيطالية ، هو اعطاء الأولوية لقدوم اليد العاملة من دول امريكا اللاتينية ، وتحديدا العمال المنحدرين من أصول إيطالية .
وبالرغم من ان الجالية المغربية في ايطاليا تعتبر جالية كبيرة العدد ، لكنها لم تستطع بعدد جمعياتها التي لا تعد ولا تحصى من تنظيم نفسها وفق برنامج موحد للدفاع عن مصالحها !! وحسب مكتب الاحصاء الوطني الايطالي فقد بلغ عدد المغاربه المقيمون في ايطاليا بصفة قانونية الى نهاية العام 2022 الى ما مجموعه 487 ألف ، ويبلغ عدد الاجانب 5.2 مليون من بينهم نسبه مهمه من المسلمين يمثل هذا العدد 8.3% من اجمالي السكان البالغ عددهم 59 مليون نسمة .
الاندماج المفقود !
وتتصف الجاريه المغربية بعدم اندماجها في نمط الحياة الإيطالية من خلال اسلوب العلاقات العامة ، ونمط الحياة ، وطريقة التعامل مع الاخر ومع قوانين البلد المضيف ، وتتبع سلوكا حياتيا يتناقض مع الاعراف والتقاليد الإيطالية السائدة ، في وقت الذي يلاحظ فيه ان الجاليات الاخرى من بلدان اوروبا الشرقية وامريكا اللاتينية اندمجت سريعا مع وضعها الجديد في ايطاليا .. وتستغل الاحزاب اليمينية المتطرفة حالات عدد من الرجال المغاربة ذو اللحى الطويلة بلباسهم ” الافغاني ” وطريقة تعاملهم مع الاخر ، بنشر صورهم في الصحف المحلية وكتابة تعاليق تعتبرهم أشخاص يهددون الامن العام !! وهذا ما يزيد من مشاعر الكراهية والإزدراء لمثل هؤلاء المهاجرين المغاربة من طرف الرأي العام الايطالي .. وتسود الآن بوتيرة متصاعدة حمى كراهية الاجانب ، رافقتها دعوات الحذر من ذوي الاصول الإسلامية ، كما شرعت منذ مده بعض الأوساط التي تنتمي الى مجالات الثقافة والفنون معتبرة الإسلام يمثل تهديدا لإيطاليا الكلتوليكية ، ولقيمها التاريخيه ! وفي هذا الصدد كانت الرئيسة الإيطالية جورجينا ميلوني قد اوضحت ” ان ليس لديها مشكلة مع الهجرة ، بقدر ما ان مشكلتها الأساسية مع الانتماء الديني والعرقي..”
صورة المهاجر المغربي في ايطاليا أصبحت خلال السنوات الأخيرة صورة ينظر اليها بقرف ، بل ان العديد من وسائل الاعلام الإيطالية الناطقه باسم الاحزاب اليمينية تزيد في صب الزيت على النار بنعت المهاجرين المغاربة بالمتخلفين والسدج ويجب التخلص من اعبائهم.
تتمركز الجالية المغربية في عدة مدن ايطاليا مثل روما ولازيو ونابولي وميلانو ولومباريا والقرى المجاورة لهذه المدن و من خصائص المغاربة المقيمين بايطاليا هو مناطق انتمائهم بالمغرب و التي تختلف من مناطق لأخرى انطلاقا من جيل الأول والثاني والثالث من المهاجرين الذين قدموا منذ نصف قرن من الريف والاطلس الصغير اذ أن غالبية هؤلاء المهاجرين ينتمون الى سهل تادلة و الفقيه بن صالح و الى عدد من المدن المغربية .
السكن في “فنادق متحركة ” !!
يعاني المغاربة بايطاليا من مشاكل متعددة في مقدمتها ازمه السكن الذي يعرف ارتفاعا صاروخيا في أثمان الكراء وصعوبة الحصول عليه حتى بالنسبه للمواطنين الايطاليين انفسهم ، وهذا ما يدفع العديد من افراد الجالية المغربية لإستخدام سيارتهم للسكن ” كفنادق متحركة ” ومنهم من يلجأ الى المنازل المهجورة للإقامة فيها أو الى الاسطبلات ، او في بنايات نائية ، هذا المشكل العويص يجعل افراد الجالية المغربية من هذا الصنف الذين نتحدث عنه ، يعيش على الهامش ولا يعرف الاستقرار سواء في نفس المكان او في نفس العمل الذي يمارسه خصوصا منهم التجار الذين يشكلون 65% من مجموع الجالية المغربية ، هذه الاوضاع تجعل المغاربة المقيمون بايطاليا يعيشون في وضع اللاستقرار الشامل خصوصا ان تعقيد مسطرة التجمع العائلي يحول دون التحاق الزوجات بأزواجهم ، اما بالنسبه للمستوى التعليمي لهذه الجالية فإنه يتراوح بين الأمية والتعليم الابتدائي ، فيما يخص الجيل الاول والثاني من المهاجرين ، أما الموجات الجديدة فتضم مستويات مختلفة وصولا الى التعليم الجامعي .
(سعيد الورداني ) مهاجر مغربي يقيم في ايطاليا في روما منذ 12 سنه استقر بهذه المدينه بعدما اشتغل كعامل بناء في عدة مدن إيطالية ؛ في حديثه معنا لاحظ ان وجود فئة كبيرة من المهاجرين السريين بايطاليا من بينهم مغاربة يؤثر بشكل أو بآخر على وضعية باقي المهاجرين ، حيث يقوم هؤلاء في التجارة في الممنوعات ، ويكونون طعما سهلا لعصابات المافيا لاستخدامهم كما يشاؤون ؛ وتضيع من أمامهم كل فرص العيش الكريم او تحقيق حضور اجتماعي ايجابي .. ومن الامور المخجلة حقا والتي تؤثر سلبا على المغاربة المهاجرين _ يضيف سعيد _ هي اتخاذ بعض المهاجرين السريين المغاربة التسول كمهنة لهم ومن السرقه والتجارة في المخدرات !! هذا الوضع الشاذ ، يسبب في خلق نوع من الإزدراء لدى المواطن الايطالي الذي أصبح يشعر اكثر من اي وقت مضى بالإمتعاض مما جعلت كلمة مغربي تحمل أوصافا سلبيا !! ويشار بها الى مجموعه من المهاجرين المغاربة القاطنين بأحياء الصفيح ، أو أولئك الذين ينامون فوق الارصفه وبالاماكن العامة .
واذا كانت ايطاليا قد اختارت سياسة معتدلة ومتفتحة مع قضايا الهجرة ، فإن ظاهرة الهجرة السرية لا تترك خيارات للحكومة الإيطالية غير التعامل مع هذا الملف من منطلق أمني ، باعتباره عنصر توتر دائم ، ووضع مزعج .. ولمواجهة هذا المشكل المزمن ، قامت ايطاليا خلال السنوات الأخيرة بتسوية أوضاع المهاجرين السريين واعطائهم فرص التشتغال بعده قطاعات بالبلاد.
كفاءات مغربية
وبالرغم من ان نسبة البطالة المرتفعة في البلاد 8.5% فإن ايطاليا لا تزال بحاجة الى اليد العاملة مستقبلا ، لا سيما بالنسبه للمقاولات الصغرى او الاشغال الموسمية ، وتأمل الحكومة الإيطالية أيضا، أن يساهم قرار الوقف الفوري لتشغيل المهاجرين السريين في إعطاء فرصا اكبر للمهاجرين النظاميين ،ووضع حد للإلتفاف على القانون الجاري به العمل في هذا الشأن ، كما ان خبراء الاسكان أشارو الى ان زيادة عدد السكان راجع في الاساس لزيادة عدد الولادات وسط عائلات مهاجرين ، مقابل هذا الوضع ، صورة المهاجرين السريين ، فهناك مهاجرون مغاربة استطاعوا ان يحققوا طموحاتهم بالوصول الى مناصب عليا بالبلاد ونجحوا اخرون في دراستهم أو انشاء مقاولات صغرى لتشغيل اليد العاملة من المغاربة والاجانب بايطاليا ، وفي هذا الصدد خلص بحث حول ادخار المهاجرين قامت لجنه الاحصاء حول الهجره تابعة لجمعية ( كريتاس) كشف البحث ان العمال المهاجرين المغاربه هم الذين يستعملون اكثر من غير من البنوك والبريد لتحويل اموالهم نحو المغرب اما السنغاليون والاسبان فيفضلون إرسال اموالهم عن طريق الاصدقاء والاقارب ، وأشار البحث من جهه اخرى الى أن المغاربة بايطاليا يخلقون حركية لدى المؤسسات البنكية باستمرار بشكل دائم ومضبوط .
شعب منفتح
نشر مركز الاحصائيات والدراسات الاجتماعيه الايطالي في تقريره الاخير حول المجتمع الايطالي حيث اعتبرأن عدد من الايطاليين يعيشون حاله نفسية متوثرة ، نتيجة الخوف الذي يعتريهم ، ويتحكم في سلوكياتهم ، و حسب هذا التقرير فان 68.4% من الايطاليين لا يخرجون وحدهم في الليل وان 40.6% يتحاشون المشي على الاقدام في بعض الاحياء وان 72% يكونون في التأهب عند مشاهدتهم شخصا غريبا يقترب منهم وان 45.3% من السكان ابواب منازلهم مصفحة و20.4% يخافون ولوج مستودع السيارات ، لكن رغم كل هذه المخاوف والانزعاج فإن المسؤولين الايطاليين يحاولون في كل مناسبات تلطيف الأجواء حينما يعلنون أن الشعب الايطالي شعب متفتح ويجب ان ينفتح على عادات وتقاليد الاخرين للمهاجرين والتعايش معهم .. وما يهم المغاربه المقيمون بايطاليا هو العيش في هذا البلد بسلام ، واحترام قوانينه ، والعمل على ادخار قسط من المال لإنجاز مشاريع صغيرة ومتوسطة سواء بالبلد المضيف او داخل أرض الوطن .
في إيطاليا تتنوع الاعراف بين مجموعات صغيرة من الألمان والفرنسيين والايطاليين في الشمال والإيطاليين الالبانيين اليونانيين في الجنوب ، بعض المناطق بايطاليا يتحدث سكانها الألمانية والفرنسية والسلوفانية ، وتنقسم روما الى 15 منطقه تشتهر بالسياحة وصناعة الحديد والكيمياويات وصناعة السيارات والاغدية والمنسوجات وغيرها ، ويصل معدل نمو الانتاج الصناعي الى 15% وتبلغ صادرات البلاد ما يقارب اربعه مليار دولار والواردات 3.7 مليار دولار
إن افضل التقاليد التي يتمسك بها الايطاليون هي الوجبة العائلية الأسبوعية ، بحيث يجتمع جميع افراد العائلة حول مائدة واحدة كل نهاية كل اسبوع تضم الأب والأم والأولاد والأحفاد ، فيتناول الجميع الطعام على مائدة العائلة ، وهذه عاده اكتسبها الإيطالين منذ القدم ، هي شيء متأصل في كل جزء من البلاد الإيطالية ، ويشتهر المطبخ الإيطالي بالمكرونا والبيتزا وهما من الرموز الإيطالية .
تنتشر بايطاليا العديد من المعالم الأثرية تمثل فن العمارة الغربية ، من بينها المدرج الرومانية وكتدرائية فلورنسا وميلانو ، وكتدرائية القديس بطرس… كما تضم جميع المدن الإيطالية العديد من المعالم التاريخية القديمة التي تنتمي الى حقب زمنية مختلفة وهذا ما جعل السياحة مزهرة بإيطاليا ،التي يأتينا السياح من كل بقاع العالم.. وصدق من قال “كل الطرق تؤدي إلى رما ” !
التعليقات مغلقة.