حوار اجتماعي .. في زمن اعلامي | حدث كم

حوار اجتماعي .. في زمن اعلامي

د.جمال المحافظ: شكلت خلاصات جولات الحوار الاجتماعي التي دشنتها الحكومة مع المركزيات النقابية والباطرونا، محور العرض الذي قدمه رئيس الحكومة، بمجلس المستشارين الثلاثاء تاسع يوليوز الجاري خلال جلسة عمومية في موضوع ” الحوار الاجتماعي آلية للنهوض بأوضاع الشغيلة ورافعة لتحسين أداء الاقتصاد الوطني”، مناسبة لطرح إشكالية  مزمنة، قليلا ما يجرى الانتباه اليها من كافة الفاعلين الاجتماعيين، كيف يتم التعامل إعلاميا مع هذا الحوار خلال محطاته المختلفة، وليس فقط للوقوف عند حصيلة هذ الحوار الثلاثي الأطراف.

وإذا كان رئيس الحكومة، اعتبر في تدخله بالخصوص أن التصور الحكومي لمفهوم الحوار الاجتماعي” لا يقتصر على الجوانب المالية والتقنية الضيقة  وكيفية توزيعها القطاعي ولكن نحمل رؤية متكاملة استقرت عليها أدبيات الحوار الاجتماعي على الصعيد الدولي والتي تستحضر الأدوار الجديدة للحوار في …ضمان الأمن والاستقرار الاجتماعي لمختلف الفئات ببلادنا”، فإن منظمة العمل الدولية، بالمقابل تولى أهمية خاصة لدور الإعلام في النهوض بثقافة الحوار الاجتماعي، وذلك انطلاقا من كونه أداة رئيسة في خدمة التنمية المستدامة، وشكلا من أشكال الحكامة ومساهما في تحقيق أهداف الأمم المتحدة التنمية المستدامة، في أفق 2030.

وانطلاقا من ذلك فإن الحوار الاجتماعي، لن يستقيم الا إذا كان مستندا على استراتيجية إعلامية وتواصلية احترافية، تكون بمقدورها، أن تنقل هذا الحوار ومخرجاته من ردهات القاعات المغلقة إلى الفضاء العام، بتعاون مع وسائل الاعلام، التي تعد أداة لتشكيل الرأي العام . كما تعتبر الأمم أن من شأن نظم الحماية الاجتماعية، إذا ما أُحسِن اعدادها وتنفيذها، أن يكون لها تأثير بالغ على تقدم البلدان، وتؤدِّي في نفس الوقت إلى تعزيز رأس المال البشري والإنتاجية، والحد من التفاوتات، وبناء القدرة على مواجهة الصدمات، وإنهاء حالة الفقر ومنع توارثه ما بين الأجيال.

وفي ظل ما يعرفه قطاع الصحافة والاعلام، من غياب استراتيجية وطنية واضحة المعالم، منذ عقود وعدم إدراج هذا القطاع ضمن أولويات السياسات العمومية، فإن وسائل الإعلام بدورها تبقى قاصرة عن القيام بدورها ليس فقط في مجال الحوار الاجتماعي لكن في المجال الاجتماعي بصفة عامة، على الرغم من مجهودات محدودة هنا وهناك، تبقى غالبيتها تكتسى طابعا مناسباتيا، ومعزولة، نتيجة، عدم مواكتبها من أطراف الحوار الاجتماعي.

ومهما كانت أوليات الحكومة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية، فإنه لا يمكن للسياسات العمومية الاستغناء عن الصحافة والإعلام التي ليست منتوجا تجاريا بل هي عمل فكري ورسالة اجتماعية، تقدم خدمة عمومية، وجعلتها الثورة الرقمية، في المرحلة الراهنة تكتسي مكانة محورية لا رجعة فيها، وحولت الإعلام من سلطة رابعة إلى سلطة أولى، بمعايير مختلفة وأصبح في الوقت الراهن، محرارا رئيسا يقاس به تقدم الدول  .

كما يلاحظ أنه على الرغم من حيوية الشأن الاجتماعي والدينامية التي خلقها بصفة عامة ورش الحماية الاجتماعية، فإن الاعلام ظل مبعدا عن أجندة مختلف االفاعلين الاجتماعيين، وظل التعامل معه بذات النظرة النمطية التي غالبا ما يجرى التعامل معه بالحذر والريبة، وعدم الثقة، في الوقت الذي تظل الصحافة المهنية، أداة للرقابة المجتمعية واليقظة، وجهاز إنذار.

فمنذ أولى جولات الحوار الاجتماعي يلاحظ بأن” حكومة الدولة الاجتماعية”، سارت على مستوى تعاملها مع الاعلام، تقريبا بذات الطريقة النمطية، التي اتبعتها الحكومات السابقة منذ تاريخ تدشين مسلسل الحوار الاجتماعي الذي ظل يجمع ما بين السلطة التنفيذية مع المركزيات النقابية وأرباب العمل، ابتداء من سنة  1996.

وإذا كان مسلسل الحوار الاجتماعي بالمغرب، قد شكل منذ انطلاقه أواسط التسعينات من القرن الماضي مدخلا لسلسلة من الإصلاحات الدستورية والسياسية والحقوقية والاعلامية، فإنه أشر أيضا على دينامية غير مسبوقة لوسائل الإعلام، في تناولتها للقضايا والملفات الاجتماعي، مساهم منها في تنشيط النقاش العمومي وانفتاحها على فعاليات وشخصيات وهيئات، كان مرورها بالسمعي البصري إلى وقت قصير ضربا من الخيال.

فعلى الرغم من التحولات السياسية والاجتماعية، يلاحظ بأن مسلسل الحوار الاجتماعي – وإن بدرجات وتقديرات مختلفة –  واصل مساره، ومعه ارتفع سقف المطالب النقابية ووتيرة الحركات الاجتماعية، وهو ما أدى في 23 أبريل 2000 الى اتفاق بين الحكومة والمركزيات النقابية وأرباب العمل ، على ” إقرار السلم الاجتماعي باعتباره مسؤولية مشتركة وعنصرا أساسيا لتأهيل الاقتصاد الوطني لمواجهة مختلف التحديات”.

وفي الوقت الذي تكرس في  30 أبريل 2003 ، ” مبدأ التشاور والتفاوض لحل الخلافات بين الأطراف الثلاثة، مع تكثيف لقاءاتها بهدف تعميق الحوار”. وفي 26 أبريل 2011، اتفقت أطراف الحوار الاجتماعي على تدابير في مقدمتها الزيادة في أجور الموظفين، ورفع حصص الترقيات والحد الأدنى للمعاشات، وبعد ذلك جرى الاتفاق في 25 أبريل 2019، على الرفع من التعويضات العائلية والحد الأدنى للأجور ومأسسة الحوار الاجتماعي.

وفي خضم كل هذه التطورات ذلك كانت وسائل الاعلام حاضرة، مواكبة لمختلف مراحل مسلسل الحوار الاجتماعي، ومؤثرة فيه، وشكلت مصدرا رئيسا للمعلومات، والأخبار وفضاء للنقاش والتحليل وبسط وجهات النظر المتفقة والمتعارضة، بهدف جعل الرأي العام على اطلاع على هذه التطورات، لكن لوحظ ضعفا في مستوى أدائها .

وإذا كانت الحكومة  عبرت على لسان رئيسها في عرضه الأخير بأنها تريد – من خلال آلية الحوار الاجتماعي- خلق جسور التواصل مع المركزيات النقابية وأرباب العمل للتفاعل الإيجابي مع القضايا ذات الأولوية، وذلك بهدف المساهمة في ” تطوير نموذجنا المغربي للحوار الاجتماعي..”فإن تعهدها ب” خلق فضاءات جديدة بمقاربات مبتكرة للحوار وتقريب التصورات والقناعات للتعاطي مع بعض الملفات المستعجلة.. والسير في اتجاه تقوية منظومة الحوار الاجتماعي وفتح افاقه نحو مواضيع جديدة..” يكون من المفيد ادراج ضمن هذه القضايا الجديدة للحوار الاجتماعي ملف تعامل الإعلام  مع جولاته المقبلة.

كما يظل الأمل معقودا على كافة الفاعلين في الحوار الاجتماعي من حكومة وهيئات نقابية  وباطرونا، لإيلاء الاهتمام الكافي، للاعلام، بجعله  ضمن أوليات أجندتها، خاصة بعد دعوة المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في تقرير له بعنوان ” نحو جيل جديد من الحوار الاجتماعي بالمغرب ” أطراف الحوار الثلاث الى ” التعاون مع وسائل الاعلام في تأمين تغطية إعلامية وإخبارية منتظمة، لكافة الأنشطة والمنتديات والمنجزات المتعلقة بالحوار الاجتماعي”.

التعليقات مغلقة.