د.الحسن عبيابة بمناسبة مرور 25 سنة على تربع جلالة الملك على عرش اسفلاه المنعمين: الدبلوماسية الملكية .. شكلت دولة المغرب الصاعدة | حدث كم

د.الحسن عبيابة بمناسبة مرور 25 سنة على تربع جلالة الملك على عرش اسفلاه المنعمين: الدبلوماسية الملكية .. شكلت دولة المغرب الصاعدة

تشير العديد من الدرسات والأبحاث بأن السياسات الخارجية أصبحت هي القاطرة للدول دوليا وإقليميا ومحليا ، بل أنها أصبحت أحياناً هي المحرك الرئيسي للدول على المستوى الإقتصادي والإستراتيجي ، وعليه فإن المغرب أدرك هذا التوجه الدولي بفضل حكمة وتبصر جلالة الملك محمد السادس نصره الله ،  الذي جعل الدبلوماسية المغربية تتبوأ مكانة خاصة في المحافل الدولية والإقليمية والقارية ، وذلك عن طريق مواقف المغرب المتزنة والمدافعة عن مصالح المغرب الثابتة وعن عدالة دولية واسعة، وخلق مفهوم جديد للتعاون الدولي (جنوب -جنوب ) .

 إن المتتبع للمغرب وما عرفه من تطورات إقتصاديه وإجتماعية وتموقع جيوسياسي متميز في عهد الملك محمد السادس، يجد أن المغرب عرف طفرة كبيرة على أكثر من مستوى ، حيث إنتقل المغرب من دولة في طريق النمو إلى دولة صاعدة عالميا وقوة إقليمية بارزة بإعتراف دول الإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية، والدول العربية والإفريقية والآسيوية الصديقة للمغرب ، هذا الصعود للمغرب خلال 25 سنة لم يكن صدفة ولاهدية من أي جهة ، لكن كان بفضل عمل طموح وجاد ومسؤول قام به جلالة الملك محمد السادس مع شعبه ، وكلف المغرب جهدا كبيرا ومواجهة قوية للتحديات الإقليمية والدولية، وبالتالي كان على المغرب أن يجد منهجية مناسبة لتحقيق الأهداف الإستراتجية الخارجية الكبرى بحكمة متبصرة رغم حمولتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية المكلفة ماليا وسياسيا.

هذا العمل الهام كان يسير بهدوء وبثبات وبدون تصرع ، بفضل الحكمة التي يمتلكها جلالة الملك لتجاوز الصعاب والتحديات مهما كان حجمها، ونظرا لوقوف الشعب المغربي وراء جلالة الملك محمد السادس نصره الله صفا واحدًا  في جميع المحطات الوطنية، فإن هذا الموقف جعل المغرب يعيش ملحمة كبيرة في تدبير شؤون البلاد داخليا وخارجيا، ونظرا للتحولات الجيوسياسية التي شهدتها العالم ، كان على المغرب أن يرتب أوراقه خارجيا مع جميع أقطاب الدبلوماسية العالمية وفق مواقف وطنية راسخة وتصور جديد في العلاقات الدولية والإقليمية ، لأن العديد من الدول أصبحت لا ترى في علاقتها مع الدول الأخرى إلا مصالحها فقط ، لكن المغرب وضع معادلة جديدة للتعاون الدولي ، مفادها (رابح رابح) في إطار الإعتراف الكامل بمغربية الصحراء ، هذه المرجعية جعلت بعض الدول الأوربية تستوعب في النهاية أن المغرب تغير تماما ، وأصبح دولة مستقلة في قرارتها السياسية والسيادية ، مما جعلها تغير من سياساتها إتجاه المغرب .

 هذا الأمر جعل المغرب في المراتب الأولى للدول إقليميا ودوليا ، تجسد ذلك في عودة العلاقات المغربية الإسبانية والعلاقات المغربية الألمانية والعديد من دول الإفريقية وغيرها ، وكان هاجس المغرب هو الإنتصار على الخصوم وعلى الأعداء بقوة بدبلوماسية ناعمة اقتنع بها الجميع ، هذا الانتصار الدبلوماسي الذي تمكن منه المغرب كان يصب كله في دعم وحماية الوحدته الترابية إقليميا ودوليا ،وكان وراء هذه الانتصارات الدبلوماسية التاريخية معركة كبرى تجند لها المغرب بقوة بقيادة جلالة الملك محمد السادس نصره الله بمعاركها الإقليمية والدولية والقارية ، لايقدر أهميتها إلا من عاشها بقبله ووطنيته وعاش في كواليسها ، كان العمل الدبلوماسي الجبار على أكثر من مستوى :

1 . المستوى الإفريقي :

مهد جلالة الملك للدخول إلى إفريقيا بالزيارات المكثفة التي قام بها لعدد من الدول الإفريقية ، ومنها (  رواندا، تنزانيا، الغابون، السنغال، إثيوبيا، مدغشقر، نيجيريا و جنوب السودان ، ساحل العاج ) التي أكدت على ارتباط المملكة المغربية بجذوتها

وهويتها الإفريقية ، كما توجت هذه الزيارات بإبرام العديد من الاتفاقيات شملت مختلف المجالات والقطاعات الحيوية ، وهو مامكن المغرب من توسيع نفوذه الاقتصادي والمالي في القارة الإفريقية ،

وقد إنضم المغرب إلى الاتحاد الإفريقي، في 18 يوليو 2016؛ حيث وجَّه الملك محمد السادس رسالة إلى القمة السابعة والعشرين للاتحاد الإفريقي التي انعقدت في العاصمة الرواندية، كيغالي، أعلن فيها عن عزم المغرب على العودة إلى كنف المؤسسة الإفريقية التي انسحب منها (منظمة الوحدة الإفريقية سابقا)، في 12 نوفمبر 1984 في أديس أبابا.

وفعلا كانت عودة المغرب التاريخية الميمونة من موقع استراتيجي قوي سنة 2017, والدخول في هياكله الرسمية المؤثرة ، وكانت سياسة حكيمة للهجوم على خصوم المغرب من قلب الإتحاد الإفريقي ، والآن بعد مرور حوالي ست سنوات من عودة المغرب إلى إنتمائه الجغرافي الطبيعي بالاتحاد الأفريقي ، أصبح المغرب ثاني دولة مستثمرة بإفريقيا بعد جنوب إفريقيا، كما استطاع المغرب الدخول إلى عدد من الأسواق الإفريقية و تسريع وتيرة النشاط الاقتصادي والمالي في سياسية تعاون (جنوب-جنوب ) بمفهوم جديد ، حيث مكن المغرب من الدخول إلى الأسواق الإفريقية من أوسع أبوابها .

2 . على مستوى الإتحاد الأوروبي :

كان على المغرب أن يعيد صيغ جديدة للتعامل مع الإتحاد الأوروبي الذي ظل طويلا يراعي مصالحه دون غيرها مع المغرب بإستثناء تقديم بعض المساعدات البسيطة التي لاتساوي مكانة المغرب وقوته الإقليمية الصاعدة ، وهكذا دخل المغرب في معركة مع الإتحاد الأوروبي كإتحاد إقليمي ومعارك مع بعض دول الإتحاد الأوروبي بصفة ثنائية ، من أجل خلق علاقات متوازنة تدخل في إطار (رابح /رابح) ،

مع عدم المس بوحدة المغرب الترابية ، رغم وجود تيارات سياسية عدائية ضد مصالح المغرب، سواء داخل الإتحاد الأوروبي أو بعض دول الإتحاد الأوروبي ، لكن صمود المغرب وفرض مواقفه الواضحة جعل المغرب من جديد يتبوأ مكانة خاصة بين دول الإتحاد الأوروبي ، وبين الدول النافذة فيه .

  1.  على مستوى الولايات المتحدة الأمريكية .

في إطار العلاقات التاريخية بين المغرب والولايات المتحدة الأمريكية، وبناء على صعود المغرب كدولة قوية في منطقة شمال وغرب إفريقيا ، وبناء كذلك على جهود المغرب الدبلوماسية لصالح السلم والأمن بأجهزته الأمنية والعسكرية المتميزة  في المنطقة، وبناء كذلك على حقوق المغرب التاريخية والسياسية لوحدته الترابية ، جاءت لحظة الإعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء في تاريخ 10 دجنبر 2020 لحظة متناغمة في الزمان والمكان، وكان هذا الموقف من الولايات المتحدة الأمريكية تجاه ملف الصحراء المغربية منصفا وعادلا في الدفاع عن وحدته الترابية ، وقد ثمن المغرب عاليا المرسوم الذي أصدرته الولايات المتحدة الأمريكية حول “الاعتراف بسيادة المملكة المغربية على الصحراء المغربية” والذي بموجبه: تعترف الولايات المتحدة بالسيادة المغربية على كامل إقليم الصحراء الغربية، وتجدد دعمها لمقترح الحكم الذاتي المغربي الجاد والواقعي وذو المصداقية، هذا الموقف أوقف الزمن السياسي داخل الإتحاد الأوروبي، وأربك خصوم المغرب في أوروبا وفي دول الجوار، وفي أروقة الأمم المتحدة ، وكان القرار الأمريكي قرارا تاريخيا وإجابة على قرار مغربي تاريخي وهو إعتراف المغرب بإستقلال الولايات المتحدة الأمريكية كدولة موحدة عام 1777، وبعدها تأسست العلاقات الدبلوماسية بين البلدين رسمياً عام 1787، حيث صادق الكونغرس الأمريكي على معاهدة السلام والصداقة التي تمّ توقيعها بين البلدين ، لذلك يمكن القول أن العلاقات بين المغرب والولايات المتحدة الأمريكية مميزة وتاريخية، وأنّ الاعتراف كان متبادلاً منذ نشأة الولايات المتحدة ، هذه الخطورة تمت في ظل الدبلوماسية الملكية الهادئة بعيدة الحكومات وتسريباتها وعن السياسيين وجهلهم بها وعدم قدرتهم على إدارتها ، وقد تمت هذه العملية الإستراتجية التي ستبقى تدرس في السنوات المقبلة في مادة العلاقات الدولية ، لايدرك معناها إلا الراسخون في دراسات علم السياسة الدولية المستقبلية ، مرة أخرى كانت هناك قوة ورجاحة لجلالة الملك محمد السادس في إستثمار الحدث الإستثنائي لمغرب إستثنائي .

  1.  علاقة المغرب بالأقطاب الجيوسياسية الدولية .

حاول المغرب أن يربط علاقته مع الأقطاب الإقتصادية الدولية وتنويع شركاته الإقتصادية والسياسية ، حيث  قام جلالة الملك محمد السادس بزيارة تاريخية للصين سنة 2016، التي تميزت بتوقيع على شراكة  إستراتيجية ثنائية، مما فتح مجالات التعاون الثنائي على مستويات مختلفة ، وفي نفس الوقت قام جلالة الملك محمد السادس بزيارة روسيا بتاريخ 15 مارس 2016 ، حيث إلتقى بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين ، وتم التوقيع في هذه الزيارة على العديد من إتفاقيات التعاون بين المغرب وروسيا، وأستطاع المغرب أن يحافظ على علاقته مع روسيا على المستوى الإستراتيجي ، مما جعل روسيا تمتنع في مجلس الأمن على التصويت في ملف الصحراء المغربية حتى يمر قرار مجلس الأمن لصالح المغرب ، وفي نفس الوقت تمكن المغرب بفضل الدبلوماسية الحكيمة من التعامل مع أزمة الحرب الروسية الأوكرانية بدون أضرار ، بالرغم من اصطفافات ومواقف مختلفة للعديد من الدول واستطاعت بلادنا تدبير هذه الأزمة الأزمة بحكمة واتزان .

  1.  إقتراح جلالة الملك محمد السادس الحكم الذاتي في الصحراء المغربية

. مكنت حكمة جلالة الملك محمد السادس ومن خطاباته في مناسبة ذكرى المسيرة الخضراء وغيرها ، ومواقفه الثابثة  في قضية الصحراء المغربية من تعبئة وطنية قوية مكنت المغرب من الصمود في الدفاع عن الصحراء المغربية طيلة عقود،

لكن سنة 2007,  خلقت منعطفا تاريخياوإستراتجيا في ملف الصحراء ، وذلك بإقتراح المغرب مبادرة الحكم الذاتي في الصحراء المغربية سنة 2007 ، هذا المقترح أوقف جميع مناورات الخصوم ومن معهم ، وحول الأنظار تماما من فكرة الإستفتاء إلى نقاش جاد ومسؤول حول مبادرة الحكم الذاتي الوحيدة القابلة للتنفيذ ، وهو ال الإقتراح الذي أيدته العديد من الدول الكبرى والعديد من دول العالم ، والذي إقتنعت به كذلك الأمم المتحدة، والذي أنهى تماما كل الأطروحات الإنفصالية ، كما أن تحرير الكركرات أعطت للمغرب السيطرة الكاملة على أقاليمه الجنوبية ، وبفضل هذه المجهودات تزايدت الاعترافات بمغربية الصحراء

وتم فتح العديد من سفارات الدول الأجنبية بمدن الصحراء المغربية ، للإشارة فإن أكثر من 100 دولة تدعم مخطط الحكم الذاتي، باعتباره أساسا ذا مصداقية وواقعي للتوصل إلى حل سلمي نهائي، وهي نتيجة طبيعية لتراكم الإنجازات الدبلوماسية التي حققها المغرب في قضية وحدته الترابية على المستوى الخارجي بفضل جلالة الملك محمد السادس نصره الله

  1.  المبادرة الملكية الإطلسية :

إعتبر العديد من الخبراء والمختصين في الدرسات الجيوسياسية أن مبادرة المغرب الأطلسية، التي أطلقها جلالة الملك محمد السادس، هي بمثابة هيكلة اقتصادية للقارة الإفريقية، وتعد بمستقبل مزدهر لدول الساحل والصحراء، لأنها تعزيز التكامل الإقليمي والتعاون الاقتصادي في إفريقيا، ورؤية ملكية إستراتيجية جديدة في مفهوم تعاون (جنوب – جنوب ) ، لخلق منطقة أطلسية إفريقية تتميز بالأمن والإستقرار والتنمية .

  1.  الدبلوماسية الأمنية :

بفضل يقضة وتكوين الأجهزة الأمنية والعسكرية، وتطوريها أصبحت هذه مؤسسات تلعب الريادة في تأمين الأمن الاستباقي وحماية المملكة المغربية الشريفة من كل الأخطار الأمنية مهما كان مصدرها ، بفضل هذا كله أصبح المغرب مساهما

في إستتباب السلم والأمن بإفريقيا وغيرها ، ومتميز  في محاربة التنظيمات الإرهابية في منطقة الساحل والصحراء إنطلاقا من تجربته الأمنية الرائدة و كذا المساهمة في حل المشاكل الداخلية لبعض الدول أو النزاعات الإقليمية بين الدول ، وهكذا نجد المغرب تبوأ مكانة خاصة في هذا الموضوع على المستوى الإفريقي والإقليمي والدولي.

8 . ستور المغرب الجديد 2011،

الإستثناء المغربي الكبير

شكلت مبادرة جلالة الملك محمد السادس نصره الله الخاصة في بصياغة دستور جديد للمغرب سنة 2011, إستثناء عربيا بإمتياز ، وأكد للجميع أن المغرب له عقيدة وطني تؤكد أن المغاربة يقبلون بالتغير  ، لكن مع مؤسساتهم التاريخية ووفق الثوابت الوطنية، وبإشرافها ، ولا يقبلون أبدا أي تغيير بدونها، وهي عقيدة تاريخيّة وسياسة جعلت العديد من المحللين مرة أخرى يعترفون بالاستثناء المغربي المتفرد .

+الدكتور الحسن عبيابة نائب الأمين العام للإتحاد الدستوري ووزير سابق

عن: جريدة الصحراء المغربية

التعليقات مغلقة.