نحو إيمان ثابث في عالم متغير | حدث كم

نحو إيمان ثابث في عالم متغير

+ د.الحسن عبيابة: بدعوة كريمة من رابطة العالم الإسلامي حضرت (مؤتمر الإيمان في عالم متغير ) الذي نظم بالرباط عاصمة الأنوار ، والذي تميز بحضور عدد من الأكاديميين والمختصين ووزراء سابقين من الدول العربية والأجنبية ومن جنسيات وديانات مختلفة ،

الجميع حضر لمناقشة كيفية مواجهة “الإلحاد في صفوف الشباب” الذي أصبح سمة ثفافية في العديد من المجتمعات دوليا وعربيا وإسلاميا ، ومما زاد من أهمية هذا المؤتمر ، كونه نظم تحت رعاية جلالة الملك محمد السادس نصره الله أمير المؤمنين ، وقد نظم هذا المؤتمر من طرف رابطة العالم الإسلامي بشراكة مع الرابطة المحمدية للعلماء ، وقد استمعت بإمعان لجميع المداخلات في الجلسة الإفتتاحية التي تجاوزت عشر مداخلات من أصحاب الفضيلة والمشايخ في مختلف المجالات ، كما حضر ممثلون عن الأديان السماوية المسيحية واليهودية ، وقد إستفدت كثيرا من المضامين الفكرية والفلسفية من أهل الإختصاص في الشريعة الإسلامية وباقي الأديان الأخرى، وفهمت وجهات النظر من الجميع ، وكيف ينظرون جميعا إلى الموضوع كل من زاويته الفكرية والمرجعية .

. ومما جاء في مداخلة الأستاذ الدكتور أحمد عبادي، الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء والتي كانت متميزة بمحاكاتها مع الواقع ، حيث أكد بأن ( ….ظاهرة الإلحاد في العالم تتزايد إلى درجة أن بعض الإحصاءات في الولايات المتحدة الأمريكية تذكر أن نسبة شبابها الذين بدون إيمان تتجاوز 50 بالمائة ) .

. وقد تحدث كذلك معالي الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى، الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الذي قدم مداخلة في غاية الأهمية ، حيث تحدث عن ظاهرة الإلحاد فلسفيا وثقافيا وعلميا ، واستشهد برواد الفكر المادي الإلحادي تاريخيا مثل فريد صاحب نظرية التطور وغيرهم من المفكرين الغربيين الذين أسّسوا للفكر الإلحادي من منطق علوم الطبيعة ومن بعض الاستكشافات العملية الحديثة والقديمة ،  واستطرد معالي الدكتور محمد بن عبد الكريم في شرحه للهدف من هذا اللقاء ، حيث قال (….أن هذا اللقاء ينظّم من أجل “تقوية الإيمان في قلوبنا نحن المسلمين، وفي قلوب كل مؤمن بالله جل وعلى، فالذكرى تنفع المؤمنين، وليواصل أهل العلم والإيمان ردّ شبهات الإلحاد بالبينات والزبر) .

ومن ضمن المداخلات التي أثارت إنتباهي مداخلة الدكتور / سالم المالك المدير العام لمنظمة الأيسيسكو ، حيث إختصر الموضوع في فقرة واحدة وقال ( أن ما تتعرض له ناشئتنا مؤسف ومحبط، ومخيف ، فقد كانت المدارس بالأمس تحملهم فباتوا اليوم هم يحملون مدارسهم في أيديهم) ، وهذا المشكل الحقيقي الذي يجب معالجته في المنظور القريب والبعيد .

. في البداية أعتذر بشدة لعدم ذكر باقي الأسماء والمداخلات التي ولاشك كانت قيمة مضافة في اللقاء ، لكن إقتصرت على ماركزت عليه أثناء حضوري في جلسة الإفتتاحية فقط ،  أردت من ذكر هذه الوقائع أن أضيف بعض الأفكار لإثراء النقاش الذي سيستمر طويلا وعبر أجيال قادمة.

أولا : من خلال العديد من الدرسات والأبحاث العلمية في مجال العلوم الاجتماعية وخاصة علم التاريخ والجغرافية والعلوم الطبيعية وغيرها المرتبطة بالعلوم الإنسانية عموما ، ولا أدعي علما شاملا للموضوع ، وإنها هو إستنتاجات علمية نسبية من بعض العلوم المرتبطة بموضوع عودة “ظاهرة الإلحاد” بقوة من جديدة وتقديمها كظاهرة ثقافية محايدة لتمريرها في غفلة من المجتمعات حتى لايعلم الجميع الخطورة التي تواجهها البشرية بفقدان الإيمان بالله، لأن فقدان الإيمان بالله في بلاد المسلمين على الخصوصي سيسبب فوضى إجتماعية وثقافية ، ويقضي على المجتمعات نهائيا أكثر بكثير من خطورة الحروب النووية ، لأن الحروب النووية تنهي على الإنسان وعلى فكره من الوجود ، أما الإلحاد فيبقي على الإنسان ويفقده حياته وعقله ، وبالتالي تتحول المجتمعات إلى عالم الحيوانات تأكل بعضها بعضا،

وتغيير دول بكاملها ، وبالتالي فإن الموضوع قد لايتعلق بالإعتقاد أو العقيدة الدينية مهما اختلفت المذاهب، وإنما يتعلق الأمر بفقدان الهوية الإسلامية والبشرية والإنسانية حاليا ومستقبلا ، ولقد أشارت بعض الدرسات إلى عدد الذين ينتحرون في العالم هم الذين لايؤمنون بأي شىء في هذا الكون .

ثانيا : أعتقد أن العديد من العوامل التي تساهم حاليا في الإلحاد دوليا وإسلاميا تتجاوز المنهج الفلسفي وتتجاوز ما طرح في القرن 19, 20 من أفكار ونظريات فلسفية ومادية وفكرية، بحيث نجد أن العوامل المساعدة لنشر الإلحاد في العالم هي كتالي :

  1. دور وسائل التواصل الاجتماعي في إحياء جميع الأفكار الدينية والفلسفية وجميع نظريات التشكيك في الأديان عن طريق ( شبكة الأنترنيت التي أصبحت مرجعا للجميع ، وسائل التواصل الاجتماعي، بعض المواقع الإلكترونية الخاصة بالإلحاد ، بعض القنوات الفضائية ) ، الموجهة مباشرة ضد الإسلام والمسلمين للتشكيك في عقيدتهم ، لأن هذه الأفكار اللادينية كانت بعيدة عن الشباب ويتأثر بمن حصل على الكتب الدينية والفلسفية وقرأها وثأثر بها ، أما حاليا يمكن للإنسان أن يستمع نحو 15 دقيقة فقط لأي وسيلة من وسائل التواصل الاجتماعي في الموضوع ، ليصبح مضطربا في فكره وفي عقيدته ومهيئا نفسيا ليدخل مرحلة التشكيك في الدين
  2. إستغلال هفوات التاريخ الإسلامي ، حيث يتم إختيار صور نمطية من التاريخ الإسلامي التي تكرس بعض السليبات السلوكية أثناء فترة حكم الخلفاء الراشدين ومن بعدهم ، وما وقع بين المسلمين من أحداث وخلافات أدت إلى إقتتال بعضهم بعضا ، هذه الصور النمطية يقدمون دعاة الإلحاد في كبسولات إعلامية مدروسة تستهدف الشباب المسلم والأمثلة على ذلك بالمئات في شبكة الانترنت، مع العلم أن هناك صور من التاريخ الإسلامي تمثل دلائل قوية على الإيمان بالله عمليا وسلوكيا .
  3. تغيير منهجية التواصل ، لأن طريقة التواصل مع الشباب المسلم يجب أن تتغيير في نشر العقيدة الاسلامية الصحيحة والسلمية بدون طرف ولاغلو ، ويجب نشر ثقافة السلم لدى الشباب بأساليب مقبولة لديهم بيئتهم وتكوينهم
  4. إستغلال التطرف الديني ، لأن بعض المتطرفين من الدعاة للإسلام ينشرون فقط أفكار العنف والتطرف وكأن الأسلام جاء فقط لنشر الحروب في العالم ، هذا الفكر المتطرف يستغل من طرف دعاة الإلحاد بطريقة ذكية لإثبات بأن الإسلام دين حروب ودين صراعات ، وقد تحدث الفقيه بن بية في مداخلته عن رد العالم البريطاني الذي رفض المشاركة مع علماء المسلمين بحجة أن الأديان والإسلام دين حروب ، لأن هذه الصورة أصبحت راسخة في العديد الدول الأوروبية والإسلامية ونسمعها عندما نحاورهم ، بالإضافة إلى أن الغرب كله أصبح يتهم الإسلام والمسلمين بكل مايقع في العالم من أحداث إرهابية .
  5. أن فكرة طرح مرصد دولي للإيمان يجب أن يكون مقرونا بإستقرار المجتمعات وتحصين أمنها الروحي ، الفكرة ليس خلق مؤسسات إضافية فقط ، وإنما خلق منهجية جديدة للتواصل لترسيخ الإيمان بالله مع السلم الاجتماعي، وليس الإيمان المؤدي إلى التطرف الديني الذي يهدد البشرية في أمنها ، وعلى رأس هذه المجتمعات الأمة العربية والإسلامية.
  6. هناك إلحاد دولي غير مرتبط بالإسلام، وإنما مرتبط بمسار ديني وثقافي علماني يختلف عما هو موجود في البلدان العربية والإسلامية، ووفقا لدراسة حديثة فإن معدلات الإلحاد الأعلى نجدها في دول أوروبا وشرق آسيا بنسبة 40%, ففي فرنسا مثلا نسبة الإلحاد بلغت 39%, وتزداد كل سنة ، وفي بريطانيا نجد حوالي 34%, وفي الصين الذين يصفون أنفسهم باللادينين نحو 41%, هذه الدراسة أوردت العديد من دول العالم الغربي ومن يسير في فلكه الديني والفلسفي ، وتشير الدراسات بأن معدلات الإلحاد تزداد في الغرب كل سنة ، لكن لابد أن نشير هنا إلى أن هناك فرق جوهري بين الإلحاد في الغرب وما تمثله الثقافات الغربية، وطبيعة الإلحاد الموجود في العالم العربي والإسلامي ، ففي الغرب أصبح الإلحاد نوعا من الحرية الدينية ويدخل في المجال الثقافي والفكري، ومقبول نسبيا في المجتمعات الغربية، أما الإلحاد في الدول الإسلامية فيمثل خطرا وتمردا على على ثوابث الأمة الإسلامية، ويهدد الإستقرار الإجتماعي والثقافي ، ويدمر جميع مكونات المجتمع والأنظمة القائمة عليها .

. وللإشارة فإن المغرب يعتبر نموذجا للإسلام المتسامح ، حيث تعمل المؤسسات الدينية الرسمية بالمغرب على نشر الإيمان بالدين الإسلامي في إطاره الصحيح ، وإتباع المذهب المالكي ، وحسب دراسة أجنبية فإن ألمغرب من الدول الأكثر تدينا وتسامحا ويتشبتون بالإيمان بالله ورسوله بشكل طبيعي وعفو ، وهذا راجع للسياسة الحكيمة التي يتبعها الملك محمد السادس أمير المؤمنين الذي يعتبر هو المرجع الديني والدستوري في هذا الموضوع .

كانت هذه بعض الأفكار التي تمكنت من ذكرها تفاعلا مع العديد من الأفكار التي وردت في مؤتمر (الإيمان في عالم متغير .

 

+ د. الحسن عبيابة

. أستاذ جامعي بجامعة الحسن الثاني

. ووزير الثقافة والشباب والرياضة سابقا

. رئيس مركز أبن بطوطة للدراسات العلمية والإستراتيجية

 

التعليقات مغلقة.