عمر المصادي:إن محاربة العنف ضد النساء يتطلب نهجا متعدد الأبعاد يشمل التشريعات الصارمة، التوعية المجتمعية، توفير الدعم النفسي والبدني للضحايا، وتدريب الجهات المعنية مثل الشرطة والقضاة. تجارب ناجحة في دول مثل البرتغال والهند وأستراليا وكندا أظهرت أهمية التعاون بين الحكومة والمجتمع المدني، إلى جانب استخدام وسائل التواصل الإجتماعي لزيادة الوعي. هذه الجهود المتكاملة تساعد في تغيير العقلية المجتمعية وتعزيز حقوق النساء وحمايتهن من العنف.
ومن بين التجارب الناجحة على مستوى العالم في محاربة العنف ضد النساء، والتي تعتمد على إستراتيجيات متكاملة، والتي تتراوح بين التوعية القانونية والإجتماعية، والتدخلات النفسية، والبرامج الحكومية والمجتمعية، نجد على سبيل المثال:
1.إستراتيجيات القوانين والتشريعات:
العديد من الدول عملت على تشديد قوانينها لمكافحة العنف ضد النساء، البرتغال مثلا أصدرت قوانين صارمة ضد العنف المنزلي منذ عام 2007، حيث قدمت حماية قانونية فورية للنساء المهددات، بما في ذلك أوامر الحماية والملاجئ.
2.حملات التوعية العامة:
في الهند، أُطلقت حملات توعية مثل حملة “أوقفوا العنف ضد النساء” التي ركزت على التثقيف المجتمعي حول حقوق النساء، وضرورة الوقوف ضد التحرش والعنف، وأهمية دعم الضحايا. هذه الحملات لعبت دورًا كبيرًا في تغيير النظرة المجتمعية للعنف ضد النساء.
3.الملاجئ والدعم النفسي:
في ألمانيا، تم إنشاء مراكز إيواء ودعم للنساء اللاتي تعرضن للعنف، تقدم خدمات نفسية وطبية وقانونية. هذه المراكز تساهم في توفير بيئة آمنة وداعمة للنساء لإعادة بناء حياتهن.
4.التعاون بين المجتمع المدني والحكومات:
في كندا، تم تطوير برامج خاصة بالتعاون بين الحكومة ومنظمات المجتمع المدني، حيث تم تدريب موظفي الشرطة والقضاة على كيفية التعامل مع قضايا العنف ضد النساء، وزيادة الوعي حول الطرق الفعالة للتعامل مع الحالات.
5.البرامج التعليمية والتدريبية:
في أستراليا، تم تطبيق برامج تعليمية في المدارس والجامعات تهدف إلى تعزيز احترام حقوق المرأة والمساواة بين الجنسين. تم تضمين موضوعات مثل الوقاية من العنف الأسري والتحرش الجنسي في المناهج الدراسية لزيادة الوعي من سن مبكرة.
6.الانترنيت ووسائل التواصل الإجتماعي:
في العديد من الدول، أصبح الانترنيت أداة فعالة في نشر الوعي حول العنف ضد النساء. حملات مثل “MeToo” على منصات التواصل الإجتماعي ساعدت في إحداث تحول إجتماعي عالمي في كيفية تعامل المجتمع مع قضايا التحرش والعنف ضد النساء.
إن التركيز على التعليم، التشريعات القوية، الدعم النفسي والإجتماعي، والحملات التوعوية تظل من بين أبرز الأدوات الفعالة في محاربة العنف ضد النساء.
أما على صعيد المملكة المغربية فإن محاربة العنف ضد النساء شهد تطورا ملحوظا في السنوات الأخيرة، حيث تبنت المؤسسات المغربية و جمعيات المجتمع المدني عددا من المبادرات والتشريعات لمحاربة هذه الظاهرة وحماية النساء، ومن أبرز الجهود التي تم بذلها في هذا المجال نجد:
1.التشريعات والقوانين
قانون العنف ضد النساء (2018):
في عام 2018، تم إقرار قانون 103.13 لمكافحة العنف ضد النساء في المغرب، الذي يهدف إلى حماية النساء من مختلف أنواع العنف، سواء كان جسديا، نفسيا، أو اقتصاديا. هذا القانون يعزز من حماية النساء من العنف المنزلي، والتحرش في الأماكن العامة، والإغتصاب، ويمنح النساء حقوقا أكبر في الحصول على حماية قانونية.
قانون مكافحة التحرش الجنسي:
تم إدراج أحكام قانونية لمعاقبة التحرش الجنسي في الأماكن العامة وفي مكان العمل. كما يشمل القانون العقوبات للمعتدين سواء كانوا رجالا أو نساء، ويهدف إلى تعزيز السلامة العامة للنساء في الأماكن العامة.
2.المؤسسات والمراكز المتخصصة
مراكز الإستماع والإيواء:
تم إنشاء العديد من المراكز التي تقدم الدعم النفسي والقانوني للنساء ضحايا العنف، مثل “مراكز الإستماع”، التي تتيح للنساء اللجوء للحصول على استشارات قانونية ونفسية في سرية تامة. هناك أيضا ملاجئ توفر بيئة آمنة للنساء الهاربات من العنف الأسري.
خطوط للطوارئ:
أُطلقت خطوط لتلقي الشكاوى والإبلاغ عن حالات العنف ضد النساء، مثل الرقم الوطني”19″ للأمن الوطني، الذي يمكن للنساء الإتصال به للإبلاغ عن أي نوع من العنف.
3.التوعية والتثقيف المجتمعي
الحملات الإعلامية:
قامت المؤسسات العمومية جمعيات المجتمع المدني بإطلاق حملات توعية في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الإجتماعي للتعريف بحقوق النساء وأهمية مكافحة العنف، حملة “صوتك مسموع” على سبيل المثال تهدف إلى تشجيع النساء على التبليغ عن حالات العنف وعدم السكوت عنها.
البرامج التعليمية:
في المدارس والجامعات، تنظم اوراش عمل وبرامج توعية حول العنف ضد النساء والمساواة بين الجنسين. يتم التركيز فيها على ضرورة تغيير الثقافة السائدة التي قد تسهم في تبرير العنف ضد النساء.
4.الجهود المجتمعية والتعاون مع المنظمات الدولية
المنظمات غير الحكومية:
تلعب منظمات المجتمع المدني خاصة”جمعية الإتحاد الوطني لنساء المغرب” و الذي تتراسه سمو الأميرة الجليلة للامريم، دور مهم في تقديم الدعم للنساء المتعرضات للعنف، حيث تم إحداث منصة ”كلنا معك” وهي منصة تسهل التواصل و التوجيه و مواكبة النساء ضحايا العنف اللواتي يمكنهن التواصل مع المنصة عبر رقم الهاتف 8350 وعبر التطبيق “كلنا معك”.
وكذلك من خلال الحملات التوعوية، وتقديم المشورة القانونية، وتنظيم أوراش عمل للتعريف بحقوق النساء وإنشاء مراكز للإواء والتكوين والتدريب…
التعاون مع الأمم المتحدة:
تعاون المغرب مع منظمات دولية مثل الأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية في مجال مكافحة العنف ضد النساء، وتطبيق برامج تهدف إلى تحسين الوضع الإجتماعي والإقتصادي للنساء في المناطق القروية والنائية.
5.التحديات والصعوبات
رغم الجهود المبذولة، مازال المغرب يواجه تحديات كبيرة في مجال محاربة العنف ضد النساء. من أبرز هذه التحديات:
التمسك بالعادات والتقاليد: قد تتأثر بعض النساء بالثقافة المجتمعية التي تروج لفكرة التسامح مع العنف في بعض الحالات، مما يجعل من الصعب عليهن التبليغ عن تعرضهن للعنف.
نقص الوعي في بعض المناطق: توجد بعض المناطق النائية التي تفتقر إلى الوعي الكافي بالقوانين التي تحمي النساء من العنف، مما يتطلب المزيد من الجهود لتوسيع نطاق البرامج التوعوية.
و هكذا فإن المملكة المغربية تسعى إلى تحسين وضع النساء وحمايتهن من العنف من خلال تعديل التشريعات، دعم المؤسسات العمومية والمدنية، وتعزيز الوعي المجتمعي. ورغم التقدم الكبير في هذا المجال، إلا أن هناك تحديات مستمرة تتطلب تكثيف الجهود لضمان حماية النساء وتعزيز ثقافة المساواة والإستقلال الإقتصادي…