مسودة مشروع القانون الجنائي .. “مستجدات عديدة تعكس بدرجات متفاوتة مطالب الأوساط الحقوقية” – حدث كم

مسودة مشروع القانون الجنائي .. “مستجدات عديدة تعكس بدرجات متفاوتة مطالب الأوساط الحقوقية”

محمد مجدوبي: بعد عقود من التعديلات الجزئية للمادة الجنائية، يدشن المغرب من خلال مسودة مشروع القانون الجنائي، التي وضعتها وزارة العدل والحريات الأسبوع المنصرم أمام كافة المهتمين لإبداء رأيهم فيها، مسار المراجعة الشاملة لمنظومته الجنائية، حيث حفلت المسودة بمستجدات عديدة تثير نقاشا عموميا واسعا، وتعكس بدرجات متفاوتة مطالب الأوساط الحقوقية.

ففي الوقت الذي شكلت مبادرة طرحها مصدر ارتياح لدى الفعاليات الحقوقية التي انتظرت مراجعة القانون الجنائي لسنوات، سجلت الأوساط الحقوقية ملاحظات كثيرة على المضامين التي جاءت بها مسودة مشروع القانون.
ويرى الأستاذ الجامعي وعضو جمعية “عدالة”، محمد بوزلافة، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن هذه المسودة أحدثت “حركية” داخل المنظومة الجنائية سواء على مستوى نظام العقوبات أو نظام التجريم.

فعلى مستوى نظام العقوبات، اعتبر التنصيص لأول مرة على العقوبات البديلة، التي تضم العمل لأجل المنفعة العامة، والغرامة اليومية، وتقييد بعض الحقوق أو فرض تدابير رقابية أو علاجية أو تأهيلية، “مكسبا هاما” كانت المنظومة الجنائية في “حاجة ماسة” إليه، مستبعدا إثارة أي “اعتراض” على إدراجها.
أما على مستوى نظام التجريم، أكد السيد بوزلافة أن المسودة “حاولت أن تدرج وأن تراجع العقوبات على مجموعة من الجرائم أو تعيد النظر في الأفعال في علاقة بالعقوبات”، محيلا، في هذا الصدد، على جريمة التحرش الجنسي التي ينص القانون الجنائي الحالي عليها بنوع من “الاحتشام” (الفصل 1-503)، مقابل تحديد “أكثر دقة” للمسودة لهذه الجريمة من خلال “تنصيصها على مجموعة من التفصيلات التي من شأنها أن تسعف القاضي في إثبات جريمة التحرش”.
وفي هذا الصدد، عرفت المسودة (1-1-503) مرتكب جريمة التحرش الجنسي بأنه “كل من أمعن في مضايقة الغير في الفضاءات العمومية أو غيرها، بأفعال أو أقوال أو إشارات ذات طبيعة جنسية أو لأغراض جنسية”، و”كل من وجه رسائل مكتوبة أو هاتفية أو إلكترونية أو تسجيلات أو صور ذات طبيعة جنسية أو لأغراض جنسية”.
من جهة أخرى، لاحظ الأكاديمي أن المسودة تفاعلت أيضا مع الأفعال التي جرمتها الوثيقة الدستورية لسنة 2011، وفي مقدمتها الاختفاء القسري والتعذيب الذي قدمت له المسودة تعريفا أكثر دقة وشمولية يدرج تحته أيضا الأفعال التي ينتج عنها ألم أو عذاب نفسي شديد (المادة 1-231).
بدوره، ثمن رئيس المنظمة المغربية لحقوق الإنسان وعضو لجنة الإنصاف والمصالحة، السيد محمد النشناش، في تصريح مماثل، تجريم الاختفاء القسري في هذه المسودة، الشيء الذي سيتيح “إمكانية متابعة أي مسؤول يقدم على ارتكاب هذا الفعل الذي عانت منه المملكة في الماضي”، مسجلا بإيجابية تنصيص المسودة على عقوبات بديلة في حالة الجنح البسيطة، وتجريمها لممارسات خطيرة أخرى من قبيل تجريم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وكل جرائم الحرب، والاتجار في البشر وتهريب المهاجرين.
وفي مقابل هذه الإيجابيات، شكلت مسودة مشروع القانون الجنائي محط انتقادات عديدة همت بالخصوص مجموعة من “أوجه القصور” التي اعترتها سواء على مستوى المنهجية أو المضمون.
وفي هذا الصدد، اعتبر السيد بوزلافة، على المستوى المنهجي، أن سعي الوزارة لتجنب التعديل الكلي لفصول وتقسيمات وتبويبات القانون الحالي بغرض تسهيل عمل القضاة والممارسين، جاء على حساب تناسق هذه الفصول على مستوى التفريع والتبويب “مما أدى إلى تشويه المنتوج النهائي للمسودة”.
وعلى مستوى المضمون، أشار السيد النشناش إلى تنصيص المسودة على ألفاظ “فضفاضة يمكن تفسيرها بشكل يحد من الحريات العامة والفردية”، معتبرا أن بعض نصوصها “يمكن أن تمس بحرية الصحفيين والجمعيات الحقوقية في البحث عن الحقيقة”.
وبخصوص عقوبة الإعدام، وصف الحقوقيان تقليص عدد الجرائم التي تترتب عنها العقوبة بـ “غير الكافي”. وأعربا عن أسفهما للاحتفاظ بهذه العقوبة بالرغم من النقاش الذي يشهده المغرب حول ضرورتها ، وتوجه العديد من دول العالم إلى إلغائها، مشيرين كذلك إلى تنصيص دستور المملكة في مادته العشرين على الحق في الحياة باعتباره “أول الحقوق لكل إنسان”.
وخلص الحقوقيان إلى أن مسودة مشروع القانون الجنائي جاءت دون سقف “المراجعة الجذرية” للمنظومة الجنائية، و”لا تتجاوب” مع التطورات المجتمعية.
وفي هذا الصدد، توقع السيد النشناش أن يسهم النقاش حول المسودة إن على مستوى المجتمع أو البرلمان في تعديل بعض مضامينها وتجويدها، معتبرا النقاش العمومي الدائر حاليا حول هذه المسودة بـ “صراع الأفكار الضروري والإيجابي والحيوي” والذي يغذيه “مناخ الحرية الذي ينعم به المغرب منذ سنوات، ولاسيما بعد تبني دستور 2011″.
وتتألف المسودة، التي تقع في 288 صفحة، من ثلاثة كتب. ويتضمن الكتاب الأول (العقوبات والتدابير الوقائية) ثلاثة أجزاء، بينما يشتمل الكتابان الثاني (تطبيق العقوبات والتدابير الوقائية على المحكوم عليه) و الثالث (الجرائم المختلفة وعقوباتها) على جزئين.

التعليقات مغلقة.