د.الحسن عبيابة: مستقبل الحكومة بين السياق الإنتخابي والسياق الدستوري | حدث كم

د.الحسن عبيابة: مستقبل الحكومة بين السياق الإنتخابي والسياق الدستوري

0
04/02/2025

يبدو أن السياق الحالي للمشهد السياسي الذي جاء بعد تقرير النموذج التنموي الجديد ، وبعد إنتخابات برلمانية وجماعية موحدة في شهر ستنبر 2021, وبعد تشكيل الحكومة كل هذا أعطى مخرجات سياسية واقتصادية واجتماعية تمثلت في البرنامج الحكومي للحكومة الحالية ، هذا البرنامج الذي رفع السقف عاليا لكل المؤشرات الإقتصادية والإجتماعية والسياسية، وخصوصا المؤشرات الإجتماعية ، لكن بعد مرور ثلاثة سنوات تقريبا من محاولة تنزيل البرنامج الحكومي لم تتمكن الحكومة من تحقيق المؤشرات المطلوبة، وخصوصا على مستوى الدولة الإجتماعية الذي تبين بأن هذا الموضوع لم يكن مدروسا ماليا ولا إجتماعيا ، لنتفق جميعا أن الحكومة الحالية جاءت بعد إنتخابات وصفت بأنها كانت “شفافة ونزيهة” ، وهذا مكسب سياسي وديموقراطي نرغب فيه جميعا ، ولكن كيفما كانت أي حكومة فإن تبقى خاضعة من الناحية الديموقراطية للشرعية الإنتخابية والشرعية الدستورية معا ، وهذا ما ينطبق عمليا في نظام الدستور المغربي ، وبالتالي فالحكومة الحالية تعتمد على شرعيتين :

1 . الشرعية الإنتخابية التي تكتسبها من طرف البرلمان وليس من طرف المواطنين الناخبين مباشرة ، لكن يبدو أن هذه الشرعية الانتخابية فقدت مصداقيتها لدى معظم الناخبين والمواطنين بسبب المؤشرات التالية :

. عدم تحقيق أي نمو اقتصادي مقترح في البرنامج الحكومي يحقق التنمية المطلوبة

. تعثر الحكومة في تنزيل الدولة الإجتماعية

. تزايد نسبة البطالة لأكثر من 21%, حسب إحصاء 2024.

. إفلاس الآلاف من المقاولات الصغرى والمتوسطة التي تشمل أكثر من 80% النسيج الإقتصادي الوطني

. إرتفاع القدرة الشرائية بشكل كبير مما يزيد من تكريس الطبقات الفقيرة والهشة

وبناء على هذه المؤشرات فقط دون غيرها يعتبر البرنامج الحكومي عاجزا عن تحقيق ماتبقى منه فيما تبقى من ولاية الحكومة .

2 . الشرعية الدستورية وهي المعتمدة في تنصب الحكومة بتصويت البرلمان على البرنامج الحكومي ، لكن بالعودة إلى هاتين الشرعيتين نجد أن الشرعية الإنتخابية من طرف الناخبين تتمثل أساسا في ترتب الأحزاب السياسية حسب النتائج الانتخابية فقط ، ولا تساهم مباشرة في تعيين الحكومات ، كما أن تعيين رئيس الحكومة يخضع للعامل الدستوري وفق ترتيب الأحزاب السياسية إنتخابيا، تم تأتي المرحلة الثانية ليتدخل الفعل السياسي دون الانتخابي ، حيث يختار رئيس الحكومة الأحزاب التي تشكل معه الحكومة بعيدا عن الناخبين، وبالتالي فإن إختيار الأغلبية هو إختيار سياسي لرئيس الحكومة وليس من إختيار الناخبين، تم تأتي المرحلة الدستورية التالية وهي تعيين الحكومة دستوريا وهذا من إختصاص جلالة الملك ، تم يعود بعد ذلك من جديد الفاعل السياسي عن طريق الأغلبية البرلمانية في مجلس النواب، وذلك بالتصويت على البرنامج الحكومي من طرف الأغلبية، أما باقي الخطوات العملية للحكومة فتبقى كلها دستورية في عملها ، وتبقى البرلمان يصوت على القوانين ويراقب عمل الحكومة ، ويقيم السياسات العمومية، بعد هذه المراحل كلها يبقى الدستور هو المراقب لعمل الحكومة ، وإذا حصل أي خلل في العمل الحكومي يمكن للفاعل الدستوري أن يتدخل

وينهي مسار الحكومة في وقت من ولايتها، وبحسب الدستور وحسب النماذج الديموقراطية في العالم ، فإن الشرعية الإنتخابية للحكومة تبقى دائما مؤقتة داخل الولاية التشريعية ، ومؤقتة في المشهد السياسي وليس مطلقة، بحيث يمكن توقيفها في أي وقت دستوريا لأسباب سياسية موضوعية ، وذلك بحل البرلمان إو بإقالتها أو استقالتها، وبالتالي فإن الإستقواء  بالشرعية الانتخابية قد يتلاشى سياسياً بعد فشل البرنامج الحكومي وضعف منسوب الثقة في الحكومة شعبيا، لأنه في هذه الحالة تتحول الحكومة إلى حكومة تصريف أعمال ضد إرادة المواطنيين، ومن المتعارف عليه دوليا أن إخفاق الحكومة في برنامجها لمدة عامين على الأكثر تفقد مصداقيتها شعبيا وسياسيا، ويتم تغييرها وتغيير في تركيبتها السياسية أو بإنتخابات سابقة لأوانها

بناء على هذه المعطيات السياسية والإنتخابية والدستورية يمكن تقييم إستمرار الحكومة من عدمها بالملاحظات التالية :

. إستمرار الحكومة الحالية سيجعل من الإنتخابات المقبلة صراعا سياسيا وليس صراعا إنتخابيا ، وقد تدخل أطراف سياسية أخرى متطرفة تستغل فترة الإنتخابات لأهداف أخرى، وهو ما يهدد بعدم قبول النتائج الإنتخابية المتوقعة من طرف المجتمع المغربي ، لأن أحزاب الأغلبية ليس لها قوة سياسيا وإنما لها قوة نتخابية ولوجيستية تغيب فيها عملية تكافؤ الفرص بين الأحزاب السياسية

. إن الأغلبية أصبحت تتعامل مع باقي الأحزاب الأخرى كملاحق إنتخابية تتحكم فيها وتتحكم في حتى في الترشيحات الإنتخابية لهذه الأحزاب، وذلك تحت الترغيب والتهديد وهذه ظاهرة خطيرة في المشهد السياسي

. إن التسابق نحو إنتخابات سابقة لأوانها سيضر بمستقبل الديمقراطية ببلادنا ، كما أن إطلاق ما سمى “بحكومة المونديال لعام 2030، والتسابق عليها وتأكيد الوصول إليها بأي طريقة قد تتسبب في المس بتنظيم كأس العالم ببلادنا ، وتعيد إلى الأذهان حادثة البرازيل التي رفض شعبها أصلا تنظيم كأس العالم نظرا للظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي كانت تعيشها دولة البرازيل،

سنة 2014، حيث عمت البلاد احتجاجات على تنظيم بطولة كأس القارات التي تستضيفها البرازيل أنداك، كما أن إنجاح المونديال يجب أن يشارك فيه الجميع ديموقراطيا وسياسيا، ولا يجب احتكاره من أحزاب الأغلبية .

. إن تشكيل حكومة تكنوقراطية لتدبير المرحلة المقبلة، وإعادة المشهد السياسي من جديد قد يكون أفضل بكثير نتجاوز به العديد من المعوقات والإشكالات الداخلية، وأستكمال المشاريع الملكية ، وخلق تعبئة وطنية جديدة موحدة لمواجهة التحديات الخارجية، وتهيىء الظروف المناسبة لإجراء إنتخابات تضمن تكافؤ الفرص والمنافسة العادلة حتى مخرجات إنتخابات 2026, في مستوى طموح جلالة الملك محمد السادس نصره الله وفي مستوى طموح الشعب المغربي ، ونساهم في خلق حكومة ديمقراطية للمونديال، وليس خلق انتخابات متحكم فيها للمونديال .

د.الحسن عبيابة.. وزير سابق ورئيس مركز إبن بطوطة للدراسات والأبحاث العلمية والإستراتيجية

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.