عبد العلي جدوبي: يثير اتحاد المغرب العربي المنهار في ذكرى 26 لتاسيسه (17 فبراير 1989) جملة من الأسئلة الجوهرية حول الظروف السياسية والاقتصادية والإجتماعية للاتحاد ، بعد أن أصبح في تعداد الماضي امام التطورات الدولية المتلاحقة التي تتميز بتكتلات عالمية، والتي اصبحت لها كلمة الحزم في مصير العالم ، وفي العلاقات الدولية باعتبار أن المستقبل لن يكون إلا للتكتلات البشرية القوية ، خصوصا وأن المغرب على وجه الخصوص يعد نقطة التواصل بين افريقيا واوروبا ، وبالتالي محكوم عليه التعايش مع اوروبا لدعم فكرة الحوار العربي الاوروبي، والحوار الافريقي الاوروبي ، وحوار الجنوب خاصه مع افريقيا .
ويشار إلى أن اوروبا وضعت ابتداء من العام 1990 الإطار المؤسسي لتنظيم الحوار مع منطقة المغرب العربي واقترحت فتح مناقشات على عدة مستويات ، لكن غياب أي اتفاق مؤسسي انذاك يربط ليبيا واتحاد الاوروبي ، اصبحت العلاقات الأوروبية مع منطقة المغرب العربي على شكل اتفاقيات ثنائية مع كل من المغرب والجزائر وتونس ، وهي الدول التي اعتبرها الاوروبيون انذاك ممثلة للمنطقة المغاربية التي تتماشى سياستها الى حد ما مع السياسة المتوسطية لأوروبا ، أما موريتانيا فهي الدولة الوحيدة التي كانت تربطها إتفاقية ( لومي) مع اتحاد الاوروبي .
تراجع التبادل الإقتصادي
وهكذا وظف المغرب كل امكاناته وطاقاته وساهم في تقوية هياكل الاتحاد وإرساء هذه الدعامة التاريخية لبناء صرح دوحدة عضوية صحيحة ، تشكل تكاملا سليما في النوايا والمقاصد بعيدا عن كل خلفية أو هيمنة ، لكن بمجرد ما أخد الاتحاد المغاربي يشق طريقه نحو الهيكلة وارساء مؤسساته والعمل على بلورة إتفاقياته الى حيز الوجود ، اصطدم بجملة من العراقيل والعوائق التي اثرت على نموه وتطوره ، وبدا هذا واضحا في المجال الاقتصادي حيث تراجعت كل خطوات تبادل الاقتصادي الموحد بعد أن كانت هناك طموحات مشتركة برسم الاستغلال للثروات ، ومد جسور التعاون ؛ وهذا ما ادى الى تدبدب في الموقف الاوروبي من التعامل مع هذه المجموعة ، بالاضافه الى طغيان ازمات الخلاف في الحقل السياسي بالمنطقة الى درجة تراكم الحساسيات النفسية التي قد يصعب التغلب عليها في حالة استمرار الصراع ! وفي المجال الاستراتيجي فقد تعرض التوازن القائم لأكثر من ارتباك ، حيث تدفقت شهيات القوى الكبرى لابتلاع مناطق النفوذ ..
إن صفة العجز التي نتحدث عنها اليوم مردها لسبب اساسي وهو أن هناك إصرار من لدن الجهات المعادية لتحرر القارة من اغراقها في المزيد من متاهات التفرقة والضياع ، وقد وجدت قضية الصحراء المغربية المنفذ التي تسربت منه لإذكاء فتيل هذه الحرائق .. وقد يبدو في غاية الغرابة أن جيراننا حكام الجزائر” المولعين ” بمبادئ ( تقرير المصير.. مع النظر الى “حدبة الابل” ) والاكثر حساسية اتجاه النفوذ الاجنبي ، قد تعاملوا مع جانب أحادي البعد في هذه المسألة فيما يخص معاكسة الحق المغربي الثابت في صحرائه .
مقترح الحكم الذاتي
القطار المغاربي لم يبرح مكانه لذلك فإن المقاربة التي جاء بها المغرب فيما يخص مقترح الحكم الذاتي للاقاليم الصحراويه هي دأداة فعالة وناجعة لإقرار المصالحة والتكامل والتنسيق بين الهرم السياسي للدول المغاربية لبناء قوة إقتصادية وسياسية على حوض البحر الابيض المتوسط ، وتفعيل هذا البناء على غرار التكتلات الاخرى ك : (ميركوسور) في امريكا اللاتينيه وتكتل الولايات المتحده الامريكيه والمكسيك وكندا (النافطا) ومجموعة (اسيان) في اسيا وتجمع شرق افريقيا ومجلس التعاون الخليجي .
المشجع في التوجهات التي يقودها المغرب على صعيد تطوير مفهوم الشراكة مع اوروبا في ابعادها السياسية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية ، هو انه خلق انجذاب اطراف عربية اخرى الى هذا المشروع من خلال خطوات توسيع مناطق التبادل الحر التي كانت قد اسفرت من إعلان اكادير الهام الذي حقق اتفاق أربعة دول عربية وأهمية هذا الانجذاب انه يسعى الى تأهيل دول جنوب البحر الابيض المتوسط للاندماج في المسلسل الاوروبي المتوسط، باعتباره أصبح خيارا اساسيا من شانه أن يعيد الحوار العربي الاوروبي الى صدارة الاهتمام وفق قناعات والتزامات جديدة لا تحيط بالاشكاليات السياسية فقط ، ولكنها تقرب الفجوات الإقتصادية التي هي سبيل الاندماج .
الخيار الاستراتيجي
وهكذا وظف المغرب كل امكاناته بهدف تحقيق التوازن في علاقته مع اتحاد الاوروبي خاصة في ظل التنافس الدولي المتزايد على النفوذ في المنطقة ، واستطاع من تعزيز شراكته في مجالات جديدة مؤخرا مثل الطاقة المتجددة للتكنولوجيا الرقمية والاقتصاد الاخضر ، وأن يقوم بدور رئيسي في تعزيز التكامل الاقليمي بين اوروبا وافريقيا خاصة في الاطار الإستراتيجية الأوروبية الجديدة اتجاه افريقيا ، علما ان هذه الشراكة كانت قد انطلقت عمليا منذ العام 1996 ودخلت حيز التنفيذ عام 2000 وتعززت بشكل كبير منذ العام 2008 بقضايا جديدة شملت الحوار السياسي في مسألة حقوق الانسان والامن ومكافحة الارهاب ، وفي إدارة قضايا الهجرة واللجوء خاصة في ظل موقعه الجغرافي كجسر بين افريقيا واوروبا ..
وما يهم المغرب الآن الموجود في صحرائه والمستند الى الشرعية الوطنية والدولية انه منشغل بقضاياه الأساسية ،ومهتم بالقضايا الافريقيه في ابعادها التنموية والديموقراطية ، وإن كان يحز في النفس أن الجغرافيا تصبح في بعض الاحيان عائقا أمام التعاون الإقليمي متعدد الجوانب .. لقد فشل الاتحاد المغاربي بسبب تعقيدات العلاقات
السياسية بين دول المنطقة، بالإضافة الى التحديات الداخلية والخارجية خاصة لكل من الجزائر وليبيا اللتان شهدتا عدم الاستقرار السياسي ، مما اثر على قدراتهما في مواكبة التحولات التي شهدتها المنطقة و جعل التعاون الاقليمي في متاهات عدة ، كما وجد الاتحاد الاوروبي ايضا صعوبة في التعامل مع كل دولة على حدة بسبب تباين المواقف وطغيان ازمات الخلافات السياسية