كتابة السيرة في مؤلف " إسماعيل العلوي.. نبل السياسة" | حدث كم

كتابة السيرة في مؤلف ” إسماعيل العلوي.. نبل السياسة”

0
09/03/2025

د.جمال المحافظ: هناك أسباب كثيرة تقف وراء قلة مؤلفات السير الذاتية  والمذكرات في الأدب السياسي المغربي، منها ما يعود الى افتقار التراث السياسي والثقافي إلى هذا النوع من الكتابة، أو بسبب الواقع الاجتماعي والسياسي الذي يحول دون ازدهارها، وأيضا لطبيعة ما تستلزمه هذه الكتب من بوح صريح ورفع التحفظ وتجاوز الكثير من التابوهات، فضلا عن الثقافة السياسية في البلاد، يكتنفها التكتم، ولا تسهم في نشر الوعي السياسي والتواصل بين المواطنين والمسؤولين وبين الأجيال كذلك.

 هكذا يسجل الإعلامي محمد الضو السراج في مؤلفه ” إسماعيل العلوي .. نبل السياسة ” الصادر أخيرا، معتبرا  أن المذكرات الشخصية تتحول في النهاية إلى سجل وجزء من الأرشيف الاجتماعي والوطني، وهو ما يمثل بعداً وإشعاعاً ذاتياً لصاحبها ومكوناً إضافياً للهوية الوطنية. كما أنها مرآة تعكس تطور الجدل الاجتماعي – السّياسي في بلادنا، وأن خبايا الذاكرة لدى عدد من رجال السّياسة المغاربة وغيرهم من المسؤولين السّابقين في دواليب الدّولة أحداث وأسرار لم تخرج إلى العلن.

انعاش الذاكرة

وإذا كان صاحب الكتاب يرى أن تفاصيل هذه الأحداث بقيت مركونة في ثنايا الذاكرة، تنتظر من يُنعشها كي تتدفّق بما تضمنت من معطيات ومعلومات، ما قد يزيح عتمة الضّباب المحيط بحياة هؤلاء المسؤولين من أحداث، مهما صغرت أو كبر شأنها، فإن كتابتها أو تسجيلها، سمعياً أو سمعياً -بصرياً، ” يفتحان الباب لإعادة ترتيبها وقراءتها من جديد، واستخلاص إيجابياتها وسلبياتها”، علاوة على أنها تنقل تجربة هؤلاء المسؤولين، بكلّ حمولاتها، إلى الأجيال اللاحقة.

بيد أن قلة مؤلفات السّيرة والمذكرات والاعترافات في الأدب السّياسي المغربي، ” لا تعني خلو ساحتنا الثقافية تماماً من هذا النوع من الكتابة، فهناك عدد من كتب المذكرات واليوميات والسّير صدرت، لكنها لا تعكس حقيقة واقع مشهدنا السّياسي العامّ وعدد الذين أثروا فيه، حسب محمد الضو السراج  الذي يعتبر في ذات السياق بأن ” الثقافة السّياسية في بلادنا يكتنفها التكتّم ولا تُسهم في نشر الوعي السّياسي والتواصل بين المواطنين والمسؤولين، وبين الأجيال، إذ يختلط لدينا الفرديّ بالجماعيّ، والشّخصي بالآخر، والذاتيّ بالموضوعيّ، حينما نبحث عموما في ثنايا الذاكرة الوطنية.

إستقراء الذاكرة

ولكن على الرغم من ذلك، فإن صاحب المؤلف، يشدد على أن الاستقراء المنظم للذاكرة لدى أيّ مسؤول يجعل الحدث السّياسي هو المؤطر لكلّ ما تختزنه. وبخلاف بعض الزّعماء السّياسيين القلائل، فإن أغلب النّخَب من المغاربة الذين تولّوا مسؤوليات رفيعة في هرم السّلطة انسحبوا إلى الظلّ ودفنوا سرّهم معهم، والتحق عدد منهم بالرّفيق الأعلى ولم يتركوا ما يدلّ على أنهم مرّوا من هنا..

وإذا كان دائما يطرح سؤال عريض من دون أن يلقى الإجابة المثلى والشافية، وهو: “لماذا المغاربة لا يكتبون؟”.. والمقصود هنا، المغاربة الذين مروا بتجارب مهمة، مهنية وقيادية، وشغلوا مناصب إدارية مرموقة، خاصة في المسؤوليات والمراتب العليا والمتميزة، كما تساءل الكاتب الصحافي عبد الرحيم التوراني، لدى قراءة  كتاب ” .. نبل السياسة” في لقاء تقديم هذا المؤلف بالرباط مؤخرا، في الوقت الذي يلاحظ، بأن أغلب الكتب القديمة المنشورة حول المغرب كتبها أجانب غرباء، بالرغم من كون تاريخ المغرب وجغرافيته وتركيبته الاجتماعية تجعله أرضاً خصبة للدراسات الأكاديمية وكتابة الرحلات والسرديات التاريخية.

جرأة الكتابة

فالكتابة الصحفية حول الذاكرة السياسية الوطنية، عرفت في بداية تسعينات القرن الماضي، انتعشت بشكل ملحوظ، واتسمت، بجرأة كبيرة في تناول قضايا كانت في دائرة المحرمات، بسبب ما كان مفروضا على المنابر الصحفية من “خطوط حمراء” والإفراط في ممارسة الرقابة الذاتية لدى معالجتها، حيث تنافست الصحافة، خلال هذه المرحلة، على تقليب صفحات الماضي، بالتركيز على أحداث ظلت طي الكتمان، منها الاغتيالات التي جرت عقب الحصول على الاستقلال وذهب ضحيتها بعض رجالات المقاومة،  ومحاكمة قادة الاتحاد الوطني للقوات الشعبية الذين توبعوا سنة 1963، واغتيال القائد الاتحادي عمر بنجلون، والمعتقلات السرية منها تزمامارت.

وحظت هذه الملفات المثارة بالصحافة، آنذاك، باهتمام متزايد من لدن الطبقة السياسية ومعها فئات واسعة من الرأي العام، ومكنت أحداث نقلة نوعية في التفكير والبحث، فضلا عن مساهمتها في توسيع قاعدة القراء، وسجل اقبال متزايد  على هذه المذكرات بالصحف، شهد معها الأداء الصحافي المهني، تطورا ملحوظا، واعتماد البعض من الصحفيين في تحليل المادة الصحفية على مقاربة تسند على قواعد المنهج التوثيقي، في الوقت الذي تعزز المشهد الصحفي والإعلامي بالتحاق جيل جديد بمهنة المتاعب، وسع من قاعدة الصحافيين خاصة المتوفرين على تكوين عالي.

ملفات الماضي

وإذا كانت الصحافة قد تمكنت من أن نفض الغبار عن ملفات الماضي، وطرح تساؤلات حول ظروفها وتداعياتها، فإنها أثارت في المقابل جدلا واسعا، حول وظائف الصحافة، ودور الصحفي في تناول هذه الأحداث، التي عادة ما اعتبرت اختصاصا خالصا للمؤرخين الذين لبس بعضهم جبة الصحافي، على الرغم من أن تحرير المادة الصحفية، تختلف عن الكتابة التاريخية، أولا لتعاملها الفوري مع الأحداث واعتماد أدوات ومنهجية إعلامية بإماطة اللثام وإنعاش ومواكبة أحداث ووقائع الماضي، وتحويله إلى مادة إعلامية تكون في مستوى إدراك فئات القراء المختلفة.

كتاب ” إسماعيل العلوي .. نبل السياسة ” الواقع في نحو 700 صفحة من الحجم الكبير، يتضمن 12  فصلا، بعناوين  : “سلا 1940 .. النشأة والتكوين في عالم مضطرب”؛ و”آل العلوي وآل الخطيب .. امتدادات عائلتين”؛ و”القنيطرة 1956 .. خطوات نحو أفق جديد”؛ و”الشيوعي والنقابي بين مطرقة السلطة ومنجل الحزب”؛ و”حروب الجزائر وانقلابات المغرب”؛ و”مسار الحزب الشيوعي المغربي .. بين المنع والترخيص”؛ و” من الحزب الشيوعي المغربي إلى التقدم والاشتراكية .. تعددت الأسماء والهدف واحد”؛ و”الكتلة الديمقراطية .. التأسيس والخروج من النفق”؛ و”حكومة التناوب التوافقي:  ذو الوزارتين .. أهداف كبرى وموارد شحيحة”؛ و”حزب التقدم والاشتراكية .. مرحلة ما بعد الكتلة”؛ و”هواجس جمعوية”؛ و”عود على بدء”.”.

 فبالإضافة الى كتاب ..نبل السياسة، لمحمد سراج الضو الصحافي السابق بالتلفزة المغربية، مؤلف بعنوان ” امحمد بوستة الوطن أولا” ( 2021 )، كما يصدر له قريبا كتابين الأول ” شمعون ليفي اليهود المغاربة وسؤال الهوية” والثاني ” المحجوبي أحرضان ..أمغار بين البارود والشميات”.

 

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.