كلمة رئيس النيابة العامة هشام بلاوي في افتتاح ندوة دولية حول مكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية | حدث كم

كلمة رئيس النيابة العامة هشام بلاوي في افتتاح ندوة دولية حول مكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية

0
19/06/2025

 أكد الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، رئيس النيابة العامة، هشام بلاوي، اليوم الخميس بالرباط، أن رئاسة النيابة العامة تولي اهتماما بالغا لآليات التعاون القضائي الدولي باعتبارها أحد المداخل الأساسية لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود.
وأبرز السيد هشام بلاوي، في كلمة خلال افتتاح ندوة دولية حول مكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية، ينظمها المجلس الأعلى للسلطة القضائية بشراكة مع وزارة العدل الفرنسية، على مدى يومين، أن النيابة العامة أصدرت في هذا الصدد طلبات للسلطات القضائية الأجنبية، وسهرت على تنفيذ الطلبات أو الإجراءات التي تتوصل بها من تلك السلطات.
وأشار، في هذا السياق، إلى أن النيابات العامة لدى محاكم المملكة المغربية توصلت خلال سنة 2024 بما مجموعه 320 إنابة قضائية دولية واردة من 35 دولة أجنبية، بارتفاع بلغت نسبته نحو 23 في المائة مقارنة مع سنة 2023.

وفيما يلي النص الكامل لكلمة الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، رئيس النيابة العامة، هشام بلاوي:

“يشرفني أن أشارككم افتتاح أشغال هذه الندوة الدولية الهامة التي تتناول موضوعا ذا راهنية على المستويين الوطني والدولي لتعلقه بحماية أمن المجتمع من مخاطر الجريمة المنظمة العابرة للحدود.

وبهذه المناسبة أود أن أتقدم لكم السيد الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية بخالص عبارات الشكر على دعوتكم الكريمة، منوها في ذات الوقت بحسن اختياركم لموضوع هذه الندوة التي التئم لجمعها ثلة من المختصين والممارسين والخبراء المرموقين والذين يعتبر حضورهم الوازن والمتميز مصدر غنى لأشغال هذا اللقاء.

حضرات السيدات والسادة الأفاضل ؛

تشكل الجريمة المنظمة العابرة للحدود تهديدا حقيقيا لأمن وطمأنينة الأفراد، بالنظر للتحديات التي تطرحها على الأنظمة القانونية للدول وأجهزتها القضائية والأمنية وذلك بسبب طابعا التنظيمي وبسبب تنامي أنشطتها المتسمة بالخطورة والتي لم تعد تعترف بالحدود الجغرافية الفاصلة بين الدول وأصبح بُعد المسافة بالنسبة لها مُجَرد أرقام، بالإضافة إلى صعوبة مواكبة صورها المتجددة وتعقب الجناة المرتكبين لها جراء الطابع المنظم الذي تتخذه العصابات الإجرامية، فالعالم اليوم يواجه “نشاطاً إجرامياً معقداً” وفق ما جاء في خلاصات مؤتمر الأمم المتحدة الخامس لمكافحة المجرمين المنعقد بجنيف.

وللدلالة على خطورة هذا النوع من الإجرام، فقد أشار تقرير المؤشر العالمي للجريمة المُنَظَّمة لسنة 2023 إلى أن 83% من سكان العالم يعيشون في دول ذات مستوى مرتفع من الجريمة المنظمة وهو مستوى أعلى مما سجل سنة 2021 حيث كانت تلك النسبة لا تتعدى 79%.

وتزداد درجة خطورة الجريمة المنظمة العابرة للحدود بسبب الاستغلال المتزايد للتنظيمات والعصابات الإجرامية للطفرة التكنولوجية الحديثة التي يعرفها عالم اليوم، والتي توفر آليات سريعة للاتصال  في ظل تنامي استعمال الذكاء الاصطناعي، وتوظيف تقنيات متطورة تيسر ارتكاب الأفعال الجرمية وإخفاء عائدات الجريمة في شكل عملات مشفرة، فضلا عن استغلال تلك التنظيمات لبؤر التوتر العالمية التي تعرف بطبيعتها ضعفا في إنفاذ القانون، واستغلال هذه الأوضاع في تسليح الجماعات المتطرفة وتمويلها وضخ الأموال غير النظيفة الناتجة عن الاتجار بالبشر والأنشطة المتصلة بالمخدرات والمؤثرات العقلية في الدورة الاقتصادية.

وفي هذا الإطار تجدر الإشارة إلى أن الخسائر التي تسببت فيها الجريمة المنظمة تقدر بـ 290 مليار دولار سنويا عبر العالم حسب تقديرات البنك الدولي، كما باتت الجرائم المالية من بين الجرائم الأكثر ارتباطا بالجريمة المنظمة، حيث تشكل 5% من الناتج الداخلي الخام العالمي، وهي أرقام تعكس خطورة الجريمة المنظمة العابرة للحدود.

واستحضار من المنتظم الدولي لخطورة هذه الجريمة التي تتسم بطابعها الدولي العابر للحدود، فقد انبرت الأمم المتحدة منذ مؤتمرها الأول لمنع الجريمة ومعاقبة المجرمين للدعوة إلى بلورة خطط دولية وإقليمية ووطنية لمكافحة الجريمة المنظمة وتعزيز التعاون بين الدول بما يكفل تعقب التنظيمات الإجرامية وتفكيك عناصرها المركبة ومصادرة عائداتها غير المشروعة، وتطوير الأنظمة القانونية الوطنية بالشكل الذي يجعلها قادرة على التصدي لهذه التهديدات التي تواجه الدول.

ولقد ساهمت هذه الدينامية العالمية في اعتماد اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية لسنة 2000 (اتفاقية باليرمو) والتي تعتبر الصك الدولي الرئيسي في مجال مكافحة الجريمة المذكورة، بالإضافة إلى بروتوكولاتها الثلاث التي تعنى بمجالات محددة تتمثل في منع ومعاقبة الاتجار بالأشخاص وخاصة النساء والأطفال، ومكافحة تهريب المهاجرين عن طريق البر والبحر والجو، ومكافحة صنع الأسلحة النارية وأجزائها ومكوناتها والذخيرة والاتجار بها بصورة غير مشروعة.

حضرات السيدات والسادة، أيها الحضور الكريم؛

لقد جعلت رئاسة النيابة العامة من التصدي لمختلف صور الجريمة المنظمة العابرة للحدود أولوية من أولويات اشتغالها، فمن موقعها كجهة مشرفة على تنفيذ السياسة الجنائية ببلادنا، تستحضر الأهمية الواجب إيلاؤها لمكافحة الجرائم التي يمكن بحسب طبيعتها أن تكون لها ارتباط بالتنظيمات الإجرامية العابرة للحدود. وفي هذا الإطار تم إصدار دوريات تحث قضاة النيابة العامة على التصدي الفعال لجرائم الإتجار بالبشر والجرائم المعلوماتية وجرائم المخدرات وجرائم الفساد المالي وغسل الأموال وتهريب المهاجرين والتي يمكن أن ترتكب في إطار عصابات منظمة عابرة للحدود.

كما تولي رئاسة النيابة العامة بالغ الاهتمام لآليات التعاون القضائي الدولي باعتبارها أحد المداخل الأساسية للتصدي لهذا النوع من الإجرام الخطير، سواء من خلال إصدار طلبات للسلطات القضائية الأجنبية أو من خلال السهر على تنفيذ الطلبات أو الإجراءات التي تتوصل بها من تلك السلطات. فعلى سبيل المثال توصلت النيابات العامة لدى محاكم المملكة المغربية خلال سنة 2024 بما مجموعه 320 إنابة قضائية دولية واردة من 35 دولة أجنبية، مع تسجيل ارتفاع في عددها بنسبة تقدر بحوالي 23% مقارنة مع سنة 2023.  وقد همت هذه الإنابات القضائية المتوصل بها إجراءات متعددة، كطلب معلومات مالية أو إيقاع الحجز على الأموال وغيرها. ومن جانبها، أصدرت السلطات القضائية المغربية ما مجموعه 90 طلب تسليم إلى نظيرتها الأجنبية، بالإضافة إلى مجموعة من إجراءات التعاون القضائي الدولي التي تم تنفيذها والتي لا يتسع المجال لسردها في هذا المقام.

ومن هذا المنطلق، ينبغي التأكيد على أهمية التعاون بين الدول والمؤسسات القضائية كآلية محورية من شأنها الإسهام في ضمان التصدي الناجح والفعال للجريمة المنظمة العابرة للحدود، بالإضافة إلى تحديث الإطار القانوني الوطني بالشكل الذي يسمح بتوفير آليات جديدة للبحث الجنائي قادرة على مواكبة هذا النوع من الإجرام الخطير. كما أن تعزيز التكوين المستمر لأجهزة إنفاذ القانون يعتبر أيضا مطلبا ملحاً في هذه الظرفية المتسمة بتجاوز التنظيمات الإجرامية للآليات التقليدية للكشف عن ارتكاب الجرائم وتعقب مرتكبيها واسترداد الموجودات، ما يقتضي إيلاء أهمية خاصة لتطوير القدرات وتبادل التجارب والخبرات وتقاسم الممارسات الفضلى بين الدول.

حضرات السيدات والسادة، أيها الحضور الكريم ؛

ختاما، لا يسعني السيد الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية إلا أن أجدد لكم عبارات الشكر والتقدير على دعوتكم الكريمة، والشكر موصول لكافة الساهرين على تنظيم هذا اللقاء الهام، متمنياً لكم كل التوفيق في أشغال هذا اللقاء الذي سيسفر لا محالة عن توصيات من شأنها توطيد أواصر التعاون الدولي في مواجهة الجريمة المنظمة العابرة للحدود، مؤكدين لكم الاستعداد الدائم لرئاسة النيابة العامة للانخراط الفعال في كل المبادرات الرامية إلى تعزيز التعاون والتنسيق لمكافحة كل أشكال الجريمة المنظمة.

وفقنا الله جميعا لكل ما فيه الخير لأوطاننا وعدالتنا.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.”

ح/م/ا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.