مؤسسة محمد السادس لإعادة إدماج السجناء.. رعاية متواصلة برؤية شمولية تستحضر البعد الاجتماعي في مجال العدالة
أبرز المنسق العام لمؤسسة محمد السادس لإعادة إدماج السجناء، عبد الواحد جمالي الإدريسي، أن المؤسسة، التي أحدثها صاحب الجلالة الملك محمد السادس، أتت لتستكمل البعد الشامل للرعاية الاجتماعية التي يوليها جلالته لنزلاء المؤسسات السجنية، ضمن رؤية شمولية تستحضر البعد الاجتماعي في مجال العدالة لإدماج ناجع لهذه الفئة من المواطنين.
وأشار السيد جمالي الإدريسي، في حوار مع وكالة المغرب العربي للأنباء على هامش حفل توزيع معدات خاصة بمشاريع مدرة للدخل لفائدة نزلاء مؤسسات سجنية سابقين بالدار البيضاء، أن “المؤسسة جاءت لتساعد المفرج عنهم من الفضاءات السجينة على الولوج إلى الخدمات الميسرة لعملية إدماجهم في النسيج السوسيو- اقتصادي، إذ تفضل صاحب الجلالة الملك محمد السادس، بفكره المنير والمتقدم وحسه الإنساني العالي، بعيد زيارته لسجن عكاشة في يناير 2001، ضمن اهتمامه بهذه الفئة، بتأسيس المؤسسة شهر فبراير سنة 2002”.
وأوضح أنه “بعد أن وضع جلالته الأساس لبناء الحجر شكل افتتاح السنة القضائية لعام 2003 مناسبة لإعادة صياغة تصورات ومعالم التفكير في المجال، ببسط التوجهات الملكية الرشيدة والاستراتيجية الفعالة التي ينبغي أن يسير عليها كل الفاعلين والقائمين على نفاذ وإعمال القوانين، وكذا مختلف مكونات المجتمع، خاصة فعاليات المجتمع المدني المرتبطة بالموضوع”، مبرزا أن كلمة جلالة الملك بالمناسبة حملت توجيهات واضحة تهم استراتيجية العمل في مجال العدالة وكذا طبيعة ومهام المؤسسة في هذا المجال بشكل عام، ثم فلسفة ومفهوم العقوبة وإعادة إدماج فئة نزيلات ونزلاء المؤسسات السجنية”.
وأبرز أن “هذه الاستراتيجية سلطت الضوء على مفهوم “الرعاية” الذي يرتكز على مبادئ التضامن، والتآزر، والتكافل، والتآخي، ومد يد العون بين مختلف مكونات المجتمع، باعتبار أن من يدخل اليوم مجتمع السجن المحدود في المكان والزمان هو خارج بشكل أكيد غدا إلى حضن مجتمع رحب يسع الجميع”.
ومن هذا المنطلق، يؤكد المسؤول، تم إحداث هذه المؤسسة للاهتمام والمواكبة وتسليط الضوء على فئة نزلاء المؤسسات السجنية لتسهيل عملية إدماجهم داخل المجتمع، من جهة، وكذا المساهمة في توعية وتحسيس مختلف الفاعلين وباقي مكونات المجتمع للالتفات لهذه الفئة باعتبارهم مواطنين ينعمون بكل الحقوق المتاحة لنظرائهم من أبناء هذا الوطن، من جهة أخرى.
وأوضح أن الاستفادة من مختلف الخدمات المقدمة من طرف المؤسسة مفتوحة أمام كل النزلاء الذين يتم الإفراج عنهم، مبرزا أن عمل المؤسسة يبدأ مع النزيل منذ بدء العقوبة السجنية بتنسيق وتعاون مع المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الادماج، ويتواصل خلال مرحلة ما بعد الإفراج، و”قد يشمل أيضا في بعض الحالات أسرة السجين، إذ تفقد بعض الأسر معيلها الوحيد نتيجة العقوبة السالبة للحرية، وبالتالي تسعى المؤسسة بمعية شركائها إلى الاهتمام ومواكبة ودعم هذه الأسر قدر المستطاع”.
وفي هذا السياق، أبرز أهمية “البعد الاجتماعي الذي كان شبه مغيب في معظم التشريعات والقوانين السابقة، حيث كانت مَحَارب العدالة في الغالب مجالا لتفعيل التشريع الجنائي من منظور قانوني بحث، في حين أصبحنا اليوم، بفضل توجيهات صاحب الجلالة، نلمس بوضوح هذا البعد في نظام العدالة في التشريعات كما في الممارسات”.
وأوضح أن “البعد الاجتماعي، وفق منظور جلالة الملك، لا يهم فقط نظام العدالة وإنما يتسع لمجالها ككل، مما يمكن من التعامل مع الجريمة وقاية وعلاجا ثم رعاية وادماجا، وبذلك فإن البعد الاجتماعي هو مساو لباقي الأبعاد الاخرى وليس حكرا على القائمين على نظام العدالة الجنائية فقط بل يتسع للجميع ويستدعي مشاركة كافة مكونات المجتمع باعتبار أن الجريمة تمس الجميع، بشكل أو بآخر”.
وهكذا، يضيف السيد جمالي الإدريسي، فإن مؤسسة محمد السادس لإعادة إدماج السجناء، جاءت لتنهض بالبعد الاجتماعي من خلال البرنامج الإدماجي الذي يسهر عليه جلالته، وتضرب المثل الأعلى في المجال سعيا إلى أنسنة الفضاء السجني الذي يحرص عليه القطاع الوصي بكل جدية وفعالية، مضيفا أن الرؤية السائدة اليوم تتمثل في اعتبار أن العقوبة السالبة للحرية لا يمكن أن تجرد النزيل من صفة المواطنة أو تمس بكرامته الإنسانية، ما يعني أن السجون لم تعد مكانا للعقاب الذي يروم الإيلام والانتقام، وإنما أصبحت مجالا لإنفاذ العقوبة التي يعد جوهرها، فضلا عن تحييد الخطورة، التأهيل والتعليم وإعادة الإدماج.
وبذلك أضحى الفضاء السجني، حسب المسؤول، محطة جديدة للنزيل، للتصالح خلالها مع الذات والعمل على الإقلاع عن السلوكيات الضارة التي كانت سببا في سلب حريته، من جهة، ومن جهة أخرى، هي فرصة جديدة للتعلم والانخراط سواء في البرامج ذات الصلة بتطوير المهارات وصقل القدرات أو في التعليم بكل مستوياته، بدءا من محاربة الأمية وانتهاء بالتعليم الجامعي الذي توفره المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج بشراكة مع عدد من الجامعات التي امتد بعضها جغرافيا إلى الفضاء السجني.
وأشار إلى أن البرامج الإدماجية التي لا تهم فقط مجالي التأهيل والتعليم، بل تشمل أيضا الخدمات الصحية والترفيهية والتواصل مع العالم الخارجي، تشكل جسرا موصولا بين النزيل والنسيج المجتمعي المتضامن، بمواكبة وتتبع من مختلف المتدخلين في المجال تتقدمهم المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج، ومؤسسة محمد السادس لإعادة إدماج السجناء التي لا ينحصر عملها داخل أسوار الفضاء السجني بل يمتد إلى خارجه، من أجل مواكبة النزيل حال الإفراج عنه سعيا لاسترجاع مكانته داخل النسيج السوسيو-اقتصادي بشكل يحفظ كرامته الإنسانية.
وأبرز أن عملية مواكبة إعادة إدماج المفرج عنه، والتي تعد عملية ذات طابع إنساني بحث، تدخل ضمن نظام الرعاية اللاحقة التي تقدمها المؤسسة، باعتبارها استثمارا في الوقاية من العود إلى الجريمة، من خلال مقاربة شمولية وتشاركية تشمل الاشتغال على مختلف المستويات، سواء المستوى السلوكي أو النفسي أو الصحي أو التأهيل المهني أو التعليم وغيرها، وهي عملية عرضانية تتقاطع فيها مجموعة من الخدمات والقطاعات وتتطلب تدخل مختلف الفاعلين.
وأضاف أن الرعاية اللاحقة تشمل أيضا الإدماج الاقتصادي، والذي يهم على الخصوص، الاستفادة من ورشات تكوينية ومهنية بالإضافة إلى مشاريع مدرة للدخل، موضحا في هذا السياق أن الاستفادة من هذه المشاريع رهين باستيفاء عدد من المعايير التي أوجبتها شروط الاستفادة من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية وأخرى وضعتها المؤسسة، منها شرط الهشاشة، وعامل السن ومدى القدرة على الانخراط في سوق الشغل، بالإضافة إلى ضرورة الانخراط داخل الفضاء السجني في أحد البرامج التأهيلية.
وشدد في المقابل، على كون عمل المؤسسة يدخل في إطار “الأعمال الإنسانية التطوعية، ليس جبرا عن الاعتقال ولا تعويضا لفترة العقوبة السالبة للحرية والتي هي رد فعل مجتمعي ضد مرتكب الجريمة، وبالتالي فالرعاية اللاحقة لا تعتبر حقا لطالبها ولا هي واجبة على المطلوبة منه، وإلا أصبحت عقوبة إضافية أو تدبيرا وقائيا إذا ألزمنا بها كل المفرج عنهم من الفضاء السجني”، موضحا أنه “من كانت لديه الرغبة والحاجة بعد الإفراج إلى هذه الخدمات، ذات الصلة بتيسير إدماجه يمكنه الالتحاق بأحد المراكز 13 التابعة للمؤسسة والتي تغطي كامل تراب المملكة”.
من جهة أخرى، أبرز أن الاستثمار في المفرج عنهم بعد قضاء مدة العقوبة هو استثمار في الوقاية من العود إلى الجريمة وفي محاصرة مشاتلها وفي خفض منسوب حقينة السجن وبالتالي تلطيف كلفة العقوبات السالبة للحرية، ثم هي كذلك استثمار في القدرات وفي القوة الإنتاجية، مشيرا إلى أنه اليوم يزيد عدد نزلاء المؤسسات السجنية عن 100 ألف نزيل، بكلفة إجمالية تثقل كاهل الدولة، والرهان الأهم اليوم هو حسن استثمارها بعد الإفراج.
وفي معرض تطرقه للطموحات والمشاريع المستقبلية للمؤسسة، أبرز أن “طموحنا وهدفنا الأسمى يتجلى في إشاعة ثقافة وقيم التضامن والتآزر وفق الشعار الذي تحمله المؤسسة “إعادة إدماج السجناء مسؤوليتنا جميعا””، معربا عن أمله في هذا السياق أن “ترتقي المقاولات والمؤسسات إلى هذا الفهم لتعلم أنه من خلال إدماجها لنزيل المؤسسة السجنية غير الضار، الغير المهدد للقيم، المتصالح مع نفسه ومع المجتمع، الحامل للمهارات والكفاءات، تساهم في الوقاية من الجريمة وفي مراجعة بعض التشريعات خاصة ما تعلق منها بالادماج الارتفاقي”.
وخلص إلى أن قصص النجاح العديدة لمجموعة من النزلاء السابقين الذين استطاعوا إعادة بناء حياتهم، والاندماج بنجاح وفعالية في النسيج السوسيو-اقتصادي، تعد دليلا ملموسا على تميز تجربة المؤسسة التي ترتكز على رؤية مولوية سامية متفردة في محيطها الإقليمي.
ومع/حدث