+ بقلم السيدة خديجة الكور: تُعد الانتخابات الفعل المؤسس لأي ديمقراطية، إذ تُكرس سيادة الشعب وتجسد ثقة المواطن في قدرة المؤسسات على ترجمة صوته إلى قوانين وسياسات عامة وعمومية.
الا ان ما الت اليه لحظة الانتخابات اليوم يضعنا أمام معادلة صعبة و تناقض صارخ حين تحول الفعل السياسي الذي كان ينبغي أن يشكل لحظة سياسية لبناء الافق المامول إلى مجرد صفقة تجارية تهدد جوهر الديمقراطية. ومن هنا تنبع الحاجة الملحة إلى مدونة سلوك أخلاقية تؤطر العمل السياسي ليس كمستند رمزي فحسب، بل كعقد ديمقراطي حقيقي يُلزم جميع الفاعلين السياسيين ويعيد للانتخابات قيمتها الأساسية.
فالانتخابات لا تعني مجرد فعل التصويت، بل تحمل رمزية قوية ترتبط باعتراف الشعب كمصدر وحيد للسلطة، وبالمساواة بين المواطنات والمواطنين في التعبير عن إرادتهم الجماعية، وباستمرارية المؤسسات من خلال التناوب السلمي و الديموقراطي على السلطة. وعندما تنتفي او تضعف هذه الرمزية، تنهار ثقة المواطنين، ويحل محلها الانسحاب من المشاركة السياسية، وفقدان الاهتمام بالشأن العام، وأحيانًا الغضب الشعبي والاحتقان الاجتماعي، وهو ما ينعكس سلبًا على استقرار المجتمع وثقته في مؤسساته.
وعلى صعيد آخر، تتطلب عملية تنظيم الانتخابات موارد مالية هائلة لتغطية نفقات اللوجستيك وطباعة الملصقات و اوراق الدعاية و تنظيم اللقاءات التواصلية وتعويضات العاملين وكراء المقرات و تاجير القاعات و اجور المستخدمين لأغراض الحملة و بلورة البرامج الانتخابية و تنظيم التواصل و تعويض النواب بمكاتب التصويت و غيرها من النفقات.
و في كثير من الأحيان يتطور إلى جانب النفقات المشروعة اقتصاد انتخابي مواز لتدفق الأموال بشكل غير مشروع و غير شفاف الشيء الذي يشوه المنافسة ويحوّل في كثير من الأحيان الاقتراع إلى معركة مالية حيث يحل المال والعلاقات محل الأفكار والكفاءات.
وتوضح أرقام انتخابات 2021 في المغرب حجم الاقتصاد المرتبط بالعملية، فقد خصصت الدولة ما يقارب 1,5 مليار درهم لتنظيم الانتخابات التشريعية والجهوية والمحلية، فيما بلغت نفقات الأحزاب والمرشحين المصرح بها أكثر من 375 مليون درهم، تم تمويل الجزء الأكبر منها من قبل الدولة مع اعتماد الموارد الذاتية بنسبة حوالي 19٪ من الإجمالي. وقد رصد المجلس الأعلى للحسابات عدة مخالفات في باب نفقات الحملات الانتخابية.
إلا أن هذه الأرقام تبين أن الانتخابات تستدعي منظومة اقتصادية كاملة، بميزانيات ضخمة، ووفرة في مقدمي الخدمات، ولوجستيك واسع، مما يبرز أن الاقتراع أصبح أيضًا عملية مالية وتجارية ضخمة . وتعكس هذه الأرقام أهمية تنظيم الانتخابات بطريقة شفافة تضمن المساواة والمنافسة العادلة بين جميع المتنافسين، بعيدًا عن تأثير المال والامتيازات الشخصية.
وقد شدد جلالة الملك محمد السادس في اكثر من مناسبة على ضرورة تخليق الحياة السياسية و ضمان نزاهة و شفافية العملية الانتخابية لاستعادة مصداقية الديموقراطية.
وتستدعي عملية التخليق وضع قواعد واضحة لتمويل الحملات الانتخابية، وضمان الشفافية التامة في نفقات الأحزاب، وتعزيز أخلاقيات الترشح على اساس الكفاءة لا على اساس الارصدة البنكية و النفوذ المالي، بالإضافة إلى تطبيق عقوبات فعالة على أي مخالفة لضمان التزام جميع الفاعلين بالقانون.
و تشكل المشاركة السياسية للمرأة وتعزيز تمثيليتها في الحياة السياسية والانتخابية على اساس الكفاءة و التميز و ليس المال النفود ركنا اساسيا في عملية التخليق لان إقصاء النساء من مواقع صنع القرار يُضعف شرعية المؤسسات و هامش التعددية السياسية.
ومن ثمة تظهر الحاجة إلى بلورة ميثاق وطني لأخلاقيات الانتخابات يمكن من محاصرة الظواهر التي تفسد العملية الانتخابية ببلادنا و التي تتمثل اساسا في شراء التزكيات الذي يضعف من مستوى التمثيلية في البرلمان و آفة شراء وبيع اصوات الناخبين التي تحول العملية الانتخابية الى سوق نخاسة سياسية وتقتل المواطنة والديموقراطية و ضمان الحياد الذي يضمن شروط المنافسة الحرة و النزيهة.
ولا يجب أن يكون الميثاق مجرد اعلان عن النوايا ، بل يجب أن يكون ملزما لكل الفاعلين السياسيين و ان يتضمن عقوبات رادعة تشمل تعليق التمويل العمومي أو إلغاء الترشيحات أو حتى إبطال المقاعد في حال المخالفة و ان يشكل موضوع مراقبة و تتبع من لدن هيئات مستقلة.
ان الديمقراطية لا تقاس بمجرد إجراء الانتخابات بشكل دوري وفي موعدها، بل بمستوى مصداقيتها ونزاهتها وشفافيتها وملاءمتها للمعايير الأخلاقية والسياسية. ومن هذا المنطلق، يُعد الميثاق الأخلاقي للانتخابات، الملزم والمراقب، شرطًا أساسيًا لاستعادة الثقة و القطع مع منطق التسليع الذي أفسد السياسة، وإعادة الاعتبار لمعنى الانتخابات كلحظة لبناء تصورنا الجماعي لتدبير شؤون الوطن و اسماع صوت الشعب و ضمان الاختيار الحر والنزيه و المسؤول لمن نعتبرهم مؤهلين من بين النساء و الرجال لحكامة الوطن.
+رئيسة منظمة النساء الحركيات