"ديرو الخطوة الأولى".. نداء محو الأمية يعلو بين روّاد الأسواق الشعبية | حدث كم

“ديرو الخطوة الأولى”.. نداء محو الأمية يعلو بين روّاد الأسواق الشعبية

0
26/10/2025

في زمنٍ تتسارع فيه المعرفة كما تتسارع دقات الحياة، ما تزال الأمية جرحًا مفتوحًا في جسد المجتمع المغربي، تُؤخر خطاه نحو التنمية المنشودة. ومن هنا تأتي المبادرات الهادفة إلى محاربة الأمية ليس فقط كمشروع اجتماعي، بل كمعركة من أجل الكرامة والوعي والمواطنة.

في هذا السياق، أطلقت المديرية الإقليمية للوكالة الوطنية لمحاربة الأمية بعمالة الصخيرات تمارة، بتنسيق مع الجمعيات الشريكة، حملةً إقليمية تحسيسية واسعة تحت شعار “ديرو الخطوة الأولى وتسجلو في دروس محو الأمية”، جابت مختلف مناطق الإقليم، وكان أبرز محطاتها السوق الأسبوعي عين عتيق والسوق الأسبوعي مرس الخير تمارة.

اختارت المديرية أن تكون الحملة ميدانية وقريبة من الناس، بعيدًا عن المكاتب والإعلانات الرسمية. فالقافلة التحسيسية حطّت رحالها بين النساء والرجال، والشباب وكبار السن، تطرق الأبواب وتخاطب العقول والقلوب في آن واحد.
في الأسواق الشعبية حيث تختلط رائحة التراب بعطر الخبز الساخن، كان أعضاء الفرق المشاركة في الحملة يتحدثون بلغة بسيطة ومقنعة، داعين الجميع إلى كسر حاجز الخوف والخجل واتخاذ الخطوة الأولى نحو التعلم.

فهنا امرأة تبتسم وهي تقول إنها طالما حلمت بقراءة الرسائل التي تصلها دون مساعدة أحد، وهناك شابٌ لم يمنعه عمله اليومي من التفكير في العودة إلى مقاعد التعلم ولو لساعات قليلة في الأسبوع.

في تصريحٍ خصّت به السيدة مريم هناوي، المندوبة الإقليمية للوكالة الوطنية لمحاربة الأمية بعمالة الصخيرات تمارة، أكدت أن هذه الحملة تندرج ضمن التنزيل العملي لمضامين الحملة الوطنية التحسيسية التي أطلقتها الوكالة على الصعيد الوطني، مشددة على أن الهدف هو توسيع قاعدة المستفيدين، وتحفيز الفئات الهشة على الانخراط في مسار التعلم المستمر.

وقالت السيدة هناوي مريم: “إننا نريد أن نقنع الناس بأن العلم ليس حكراً على أحد، وأن أبواب مراكز محو الأمية مفتوحة للجميع، في المدن كما في القرى، للنساء كما للرجال، فخطوة صغيرة نحو القسم يمكن أن تغيّر حياة بأكملها.”

نجاح هذه الحملة لم يكن ليتحقق لولا تضافر الجهود بين مختلف المتدخلين، من جمعيات المجتمع المدني التي تشتغل ميدانيًا، إلى الأطر التربوية التي تسهر على تنفيذ برامج الوكالة داخل المراكز التعليمية المنتشرة بالجماعات الترابية للإقليم.
فالجمعيات الشريكة، وفق تصريح أحد الفاعلين الجمعويين المشاركين، لعبت دورًا محوريًا في تعبئة الساكنة وتسهيل التواصل، مستثمرةً شبكاتها المحلية ومعرفتها الدقيقة بالميدان لتحديد المستفيدين المحتملين، خصوصًا النساء في المناطق الهامشية اللواتي يمثلن النسبة الأكبر من الأميين.

في قراءة أعمق، تكشف هذه المبادرات أن معركة محو الأمية ليست مجرد برنامج حكومي بقدر ما هي رهان وطني جماعي. فالأمية لا تقتصر على الجهل بالقراءة والكتابة، بل تمتد إلى الجهل بالحقوق، وضبابية المستقبل، وضياع الفرص.
ومن هنا، فإن محاربة الأمية هي استثمار في الإنسان قبل أن تكون إنفاقًا على التعليم. فكل شخص يتعلم اليوم، يزرع غدًا أكثر وعيًا وإنتاجًا.

اختيار شعار الحملة لم يكن اعتباطيًا. فعبارة “ديرو الخطوة الأولى” تختزل فلسفة المشروع بأكمله: أن التغيير يبدأ من قرار صغير، وأن كل رحلة نحو النور تبدأ بخطوة واحدة نحو القسم.
ولذلك، ركزت الحملة على التحفيز النفسي والتوعوي أكثر من أي شيء آخر، عبر خطاب بسيط يحمل رسالة عميقة:
“ماشي عيب نتعلمو، العيب هو نبقاو فمكانا.”

ما قامت به المديرية الإقليمية للوكالة الوطنية لمحاربة الأمية بعمالة الصخيرات تمارة ليس مجرد حملة ظرفية، بل هو رسالة اجتماعية متجددة عنوانها أن المعرفة حق للجميع، وأن المجتمع الذي يريد النهوض لا يمكنه أن يترك أحدًا خلفه في ظلام الجهل.
وفي مشهدٍ رمزي مؤثر، غادرت القافلة السوق الأسبوعي وهي تترك وراءها ابتسامات وأملًا جديدًا في العيون، وكأنها تقول للجميع:
“لا وقت للانتظار، فالتعلم هو أول الطريق إلى الكرامة.”

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.