في لقائه مع قناة “الجزائرية 24” عطاف يقدم قراءة جديدة لموقف بلاده من قضية الصحراء المغربية!

0

في لقائه مع قناة “الجزائرية 24”، حاول وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف تقديم قراءة جديدة لموقف بلاده من قضية الصحراء المغربية، في لحظة حساسة تعيشها المنطقة بعد التطورات الأخيرة على مستوى الأمم المتحدة والمجتمع الدولي. ورغم محاولته الإيحاء بأن الجزائر ما تزال متمسكة بخطابها التقليدي حول ما تسميه “حق تقرير المصير”، إلا أن نبرة الحوار بدت هذه المرة أكثر دفاعية، وأكثر توجهاً نحو التبرير منه إلى الإقناع، في ظل الزخم الدبلوماسي الذي تعرفه المبادرة المغربية للحكم الذاتي، واعتراف الأمم المتحدة الواقعي بمغربية الصحراء.

عطاف تحدث بلغة حاول أن يكسوها بواقعية سياسية، لكنه لم يتمكن من إخفاء التراجع الملحوظ في موقف الجزائر أمام ما وصفه المراقبون بـ“التحول النوعي في ميزان الشرعية الدولية”، بعدما باتت أغلبية الدول الأعضاء في الأمم المتحدة تعتبر مقترح الحكم الذاتي الذي تقدمه المملكة المغربية إطاراً جاداً وواقعياً لإنهاء نزاع عمره أكثر من نصف قرن. وبدلاً من أن يقدّم موقفاً بنّاءً أو مبادرة جديدة تساهم في تجاوز حالة الجمود، عاد عطاف إلى تكرار المواقف القديمة نفسها، محاولاً إضفاء شرعية على أطروحة تجاوزها الزمن والميدان.

قال الوزير الجزائري إن المقترح المغربي “لم يعد الإطار الحصري”، في إشارة واضحة إلى انزعاجه من الإجماع الدولي المتنامي حول الحكم الذاتي. هذا التصريح يعكس، في جوهره، محاولة لإعادة فتح باب التأويل بعد أن أغلقته قرارات مجلس الأمن المتعاقبة التي أكدت أن الحل يجب أن يكون واقعياً ومتوافقاً عليه، وهي الصيغة التي لا تنطبق سوى على المقترح المغربي. فالجزائر التي كانت تراهن لعقود على خطاب “تقرير المصير”، تجد نفسها اليوم أمام عزلة دبلوماسية متزايدة بعدما سحبت عشرات الدول اعترافها بالجمهورية الوهمية وافتتحت قنصلياتها في العيون والداخلة، في تأكيد عملي على سيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية.

وفي الوقت الذي تحدث فيه عطاف عن “وجوب الحل عبر الحوار بين الطرفين”، تجاهل حقيقة أن الجزائر نفسها ترفض المشاركة في الموائد المستديرة التي دعا إليها المبعوث الأممي ستافان دي ميستورا، متمسكة بخطاب “الطرف الملاحظ”، بينما تشير كل تقارير الأمم المتحدة إلى أنها طرف مباشر في النزاع بحكم دعمها وتمويلها وتسليحها لجبهة البوليساريو. ولعل ما لم يصرح به عطاف، لكنه بدا جلياً في كلماته، هو الإحراج الكبير الذي يعيشه النظام الجزائري بعد القرار الأخير لمجلس الأمن، الذي كرّس مرة أخرى مركزية مبادرة الحكم الذاتي كخيار وحيد واقعي وقابل للتطبيق.

الوزير الجزائري حاول أيضاً الربط بين “الواقعية” و“الحياد الأمريكي”، في إشارة إلى الموقف الأمريكي الذي يعتبر الصحراء جزءاً من التراب المغربي، مع الإبقاء على دعم المسار الأممي. غير أن هذا التوظيف بدا متناقضاً، لأن واشنطن لم تتراجع يوماً عن اعترافها بمغربية الصحراء، بل أكدت مراراً أن مبادرة الحكم الذاتي تظل الإطار الأكثر جدية ومصداقية لحل النزاع. وبالتالي فإن حديث عطاف عن “تعدد الإطارات الممكنة” هو محاولة لتخفيف وقع العزلة السياسية والدبلوماسية التي تواجهها بلاده.

المثير في الخطاب أن الوزير الجزائري لم يتطرق بأي شكل إلى التطورات الميدانية في الأقاليم الجنوبية، حيث تشهد مدن العيون والداخلة والسمارة طفرة تنموية غير مسبوقة، جعلتها نموذجاً حقيقياً للتنمية المندمجة في القارة الإفريقية. ولم يتحدث عن الاستثمارات الضخمة التي أطلقتها المملكة بتوجيهات من جلالة الملك محمد السادس، ولا عن الدينامية الاقتصادية التي جعلت من الصحراء المغربية منصة إقليمية للتجارة والطاقات المتجددة والربط القاري. فبينما تتحدث الجزائر عن “تقرير المصير”، يترجم المغرب على الأرض مفهوم الحكم الذاتي المتجذر في السيادة الوطنية، من خلال التنمية والاستقرار والمؤسسات المحلية المنتخبة التي تدير شؤونها بنفسها.

أما حين تحدث عطاف عن “ضرورة عدم احتكار حل الصحراء بإطار واحد”، فقد كان يحاول، من دون جدوى، إعادة عقارب الساعة إلى الوراء. فالواقع السياسي اليوم تجاوز الخطاب الإيديولوجي الذي تأسس عليه الموقف الجزائري في السبعينيات. فقرارات مجلس الأمن الأخيرة، وخاصة القرارين 2703 و2734، لم تترك مجالاً لأي غموض: الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية هو الحل الجاد والواقعي الذي يضمن الكرامة والحقوق للجميع، وينهي هذا النزاع الإقليمي المفتعل.

ويبدو أن حديث عطاف عن “الحوار” و“الانفتاح على الحلول” لا يعدو أن يكون محاولة لتلطيف صورة الجزائر أمام الرأي العام الدولي، خصوصاً بعد أن باتت معروفة بدورها المعرقل لكل مبادرات التسوية، وبتمسكها بموقف متحجر لا يخدم حتى مصالحها الإستراتيجية. فبينما يفتح المغرب ذراعيه للحوار والتعاون الإقليمي من أجل بناء مغرب عربي مستقر ومزدهر، تصر الجزائر على سياسة الهروب إلى الأمام، محاولةً تغذية وهم “الجمهورية الوهمية” التي لم تعد تجد حتى داخل إفريقيا من يدافع عنها.

إن خطاب وزير الخارجية الجزائري في جوهره لم يحمل جديداً، بل كشف ارتباكاً واضحاً أمام المكاسب السياسية التي حققها المغرب، سواء على مستوى الاعترافات الدولية أو على مستوى التنمية الميدانية في الصحراء المغربية. فقد أصبح الحديث عن “بدائل” للمبادرة المغربية نوعاً من المناورة الخطابية التي لا سند لها لا في القانون الدولي ولا في قرارات مجلس الأمن، ولا في الواقع الملموس الذي تعيشه الأقاليم الجنوبية اليوم.

وفي مقابل الخطاب الجزائري المتكلّف، يواصل المغرب بقيادة جلالة الملك محمد السادس ترسيخ مشروعه الوطني الوحدوي، القائم على دمج الأقاليم الجنوبية في دينامية الدولة الاجتماعية والتنموية. فالحكم الذاتي ليس مجرد ورقة تفاوضية، بل رؤية ملكية شاملة تجسد مفهوم السيادة في إطار ديمقراطي وتنموي، وتمنح سكان الصحراء المغربية سلطة تدبير شؤونهم المحلية ضمن وحدة الوطن وثوابته المقدسة.

وبينما يحاول عطاف الدفاع عن موقف متجاوز لا يجد صداه إلا في بيانات رسمية، يؤكد الواقع أن المغرب كسب معركة الشرعية والمشروعية، وأن المجتمع الدولي أدرك أن استمرار النزاع يخدم فقط أجندات سياسية ضيقة. فكل المؤشرات اليوم، من مواقف الدول الكبرى إلى قرارات الأمم المتحدة، تسير في اتجاه واحد: دعم الحل المغربي القائم على الحكم الذاتي تحت السيادة الوطنية. وهو ما يجعل تصريحات الوزير الجزائري أقرب إلى محاولة إنقاذ موقف غارق، أكثر منها تعبيراً عن رؤية مستقبلية قادرة على مواكبة التحولات الجارية في المنطقة.

لقد أراد عطاف من خلال ظهوره الإعلامي أن يعيد تقديم الجزائر كفاعل إقليمي “محايد”، لكنه انتهى إلى تكريس صورتها كطرف رئيسي في نزاع تجاوزته إرادة الشعوب والواقع الجديد الذي فرضه المغرب على الأرض. وبين خطاب التشكيك الجزائري والإنجاز المغربي، تبدو الحقيقة أكثر وضوحاً من أي وقت مضى: الصحراء مغربية، والحكم الذاتي هو الحل العادل والدائم، وكل محاولات الالتفاف عليه ليست سوى صدى باهت لخطاب فقد شرعيته أمام منطق التاريخ والجغرافيا والسيادة.

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.