شكل موضوع “دور القضاء في تجسيد الوحدة الوطنية”، محور ندوة وطنية حول القضاء في الصحراء، نظمها المجلس الأعلى للسلطة القضائية، السبت بمدينة العيون، وذلك في إطار الاحتفالات المخلدة للذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء.
ويتوخى اللقاء استحضار ملحمة المسيرة الخضراء والوقوف على المحطات التاريخية عرفتها المملكة المغربية، من خلال الوثائق التاريخية والقانونية، ومدى التلاحم الوطني طيلة نصف قرن، وما أثمر عنه من مكاسب في ظل القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، والتي توجت باعتراف مجلس الأمن من خلال القرار2797 بوجاهة مخطط الحكم الذاتي الذي تقدمت به المملكة سنة 2007 لطي صفحة النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية.
وأبرز المتدخلون أن الدفاع عن ركائز الدولة ووحدة الأمة لا يتحقق فقط في الميادين السياسية أو الدبلوماسية، بل كذلك عبر إرساء بنيات دولة القانون والمؤسسات وترسيخ العدالة كقيمة دستورية وإنسانية، تجسد سيادة القانون وتحمي كرامة المواطن، وتعزز ثقة المجتمع في مؤسساته.
وشددوا على أن القضاء يشكل أحد أبرز مظاهر السيادة الوطنية للمملكة المغربية، مشيرين إلى أنه ظل على مر العصور حاضرا في الأقاليم الجنوبية ومرتبطا بما هو سائد في باقي أقاليم المملكة، حيث كان السلاطين العلويون يعينون القضاة في الصحراء المغربية، كما في غيرها من الجهات، وهو ما أكدته محكمة العدل الدولية في رأيها الاستشاري، حين أقرت بوجود روابط قانونية وروحية بين العرش المغربي وسكان الصحراء تجسدت في نظام البيعة.
وتوقف المتدخلون في هذه الندوة على الحالة العامة في المغرب خلال القرن 19، انطلاقا مما عرفته من أطماع دولية أوروبية لاحتلال البلاد، ومؤتمر برلين 1884 لاقتسام إفريقيا، وصولا الى استقلال المغرب، ورأي محكمة العدل الدولية في 16 أكتوبر 1975، الذي أقر بأن الصحراء لم تكن أرضا خلاء، وبوجود روابط البيعة بين السكان وسلاطين المغرب.
وتطرقوا الى مفهوم السيادة في اللغة والاصطلاح، وما بعد معاهدة وستفاليا (1648)، وإلى مفهوم البيعة والتطور التاريخي لهذا الرابط الشرعي، وشروطها وظهورها في صدر الأحكام، بالإضافة إلى المقارنة بين البيعة والسيادة.
وأكد المتدخلون أن مظاهر ممارسة القضاء في الأقاليم الصحراوية، من خلال ارتباط القضاة الصحراويين بالبيعة بصفتهم جزء ا من النسيج القبلي بالصحراء، وتعيينهم من قبل السلاطين المغاربة، يعد دليلا ثابت ا على السيادة المغربية على الصحراء، مبرزين في هذا السياق حرص القضاة الصحراويين، على وجه الخصوص، على تكريس مفهوم البيعة من خلال أحكامهم، وما صدر عنهم من رسائل موجهة للسلاطين.
وذك ر المتدخلون بأن الدينامية التي أطلقتها تجربة العدالة الانتقالية وما انبثق عنها من توصيات وجيهة على المستويات الدستورية والتشريعية والمؤسساتية، وتعزيز الجهوية باعتبارها مدخل ا لترسيخ الديمقراطية والحكامة الترابية وبناء دولة الحق والقانون، قد انعكست بشكل واضح في التجاوب غير المشروط مع المنتظم الدولي من أجل بلورة حل سياسي واقعي ومستدام لقضية الصحراء من خلال مخطط الحكم الذاتي الذي تأسس على مبادئ الحريات الفردية والجماعية والتنمية والمشاركة المواط نة، وعلى مبادئ ميثاق الأمم المتحدة.
وأضافوا أن أجيال الإصلاح، التي أسست مسار حقوق الإنسان ضمن التزام متجدد للمملكة في تدبيرها، اعتمدت مقاربة أصيلة تتميز بالتوافق بين جميع الأطراف المعنية بدل ا من الاكتفاء بالتسوية، و الابتكار القادر على صياغة الحلول الملائمة، والأكثر انسجام ا مع السياق الوطني، والشمولية التي تضمن انخراط جميع الفاعلين، ضمن مقاربة تشاركية تشمل الجهات الاثنتي عشرة للمملكة، مبرزين أنه استنادا على هذه المقاربة نجح المجتمع في تطوير مكتسباته الحقوقية باستمرار وبناء إطار مجتمعي للحوار حول قضاياه، بما فيها المصيرية.
وتضمن هذا اللقاء مداخلات قي مة لمجموعة من الشخصيات الوطنية الوازنة، التي سلطت الضوء على أبعاد هذه الذكرى الخالدة من زواياها القانونية والحقوقية، وتمحورت حول ” البعد القانوني للبيعة والسيادة في قرار محكمة العدل الدولية المؤرخ في 16 أكتوبر 1975 حول الصحراء المغربية”، و “القضاء في المناطق الصحراوية، أحد تمظهرات سيادة المغرب على صحرائه”،و “الأسس التاريخية والشرعية للسيادة المغربية ومسارات استكمال الوحدة الترابية”، و “القضاء في الصحراء المغربية، الروابط التاريخية بإمارة المؤمنين”.
وحضر أشغال هذه الندوة الوطنية والي جهة العيون الساقية الحمراء، عامل إقليم العيون، عبد السلام بكرات، والرئيس الأول لمحكمة النقض، الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، محمد عبد النباوي ، والوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، رئيس النيابة العامة، هشام بلاوي، ورئيس المحكمة الدستورية، ووسيط المملكة، و الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء، والكاتب العام لوزارة العدل، ورئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، ومديرة الوثائق الملكية، وعدد من المنتخبين والأعيان وشخصيات قضائية ورؤساء المصالح الخارجية، وفعاليات المجتمع المدني.
وتم على هامش هذه الندوة تنظيم معرض يضم نسخ بعض الوثائق القضائية التاريخية، والتي تشكل نموذجا من مئات الرسوم العدلية والوثائق القضائية والملفات والكتب الفقهية والقانونية التي يزخر بها متحف الذاكرة القضائية للمجلس الأعلى للسلطة القضائية.
ح/م