المجلس الأعلى للسلطة القضائية يستعرض جهوده في تكريس حقوق الانسان وحماية الحريات

0

ستعرض المجلس الأعلى للسلطة القضائية، في تقريره برسم سنة 2024، جهوده في ترسيخ منظومة حقوق الإنسان، باعتبارها ركيزة أساسية لبناء دولة الحق والقانون، والضامن الأول لكرامة الأفراد وحرياتهم، والمحدد لتوازن الحقوق والواجبات داخل المجتمع.

وأبرز التقرير أن المملكة المغربية، تحت القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، تولي اهتماما متناميا بترسيخ ثقافة حقوق الإنسان وتكريس مبادئ العدالة، عبر الانخراط الفعال في المنظومة الأممية، وملاءمة التشريعات الوطنية مع الاتفاقيات الدولية ذات الصلة، فضلا عن تعزيز الأدوار المؤسساتية المعنية.

وفي صلب هذه الدينامية، يضطلع المجلس الأعلى للسلطة القضائية بدور محوري في صون الحقوق والحريات، من خلال آليات عمل مؤسساتية وإدارية تستهدف دعم دور القضاء كحام لحقوق الأفراد والجماعات وضامن لحرياتهم وأمنهم القضائي.

ويعمل المجلس، في تنسيق وثيق مع باقي القطاعات والمؤسسات الوطنية، على تنزيل برامج ومخططات متكاملة تحقق الالتقائية المطلوبة، وتنسجم مع الاستراتيجيات الوطنية في مجال حقوق الإنسان .

كما يولي المجلس أهمية خاصة للتفاعل مع آليات الأمم المتحدة المعنية، وتطوير السياسات القضائية المرتبطة بالقضايا الحقوقية الكبرى، وفي مقدمتها تدبير ملف الاعتقال الاحتياطي، وظروف الاحتجاز، وضمان شروط المحاكمة العادلة .

وأوضح التقرير أنه يمكن الوقوف عند ثلاث محطات بارزة تجسد جهود المجلس الأعلى للسلطة القضائية في ترسيخ منظومة حقوق الإنسان، تتمثل في التفاعل مع آليات الأمم المتحدة، وتدبير موضوع الاعتقال الاحتياطي، ثم معالجة قضايا السجناء وضمان حقوقهم القانونية والقضائية .

بالنسبة للمحطة الأولى المتعلقة بالتعاون الدولي في مجال حقوق الإنسان، يواصل المجلس تكريس حضوره الفاعل على الساحة الدولية في مجال حقوق الإنسان، من خلال تفاعل متقدم مع آليات الأمم المتحدة ومختلف المؤسسات الأممية ذات الصلة، وهو ما يجسد التزام المملكة الراسخ بمبادئ الشرعية الدولية، وتوجهها الثابت نحو صون الحقوق والحريات .

وفي إطار المساهمة في إعداد التقارير الوطنية، وفي انسجام تام مع التزامات المغرب الدولية في مجال حقوق الإنسان، ساهم المجلس الأعلى للسلطة القضائية خلال سنة 2024 في دعم جهود المملكة الرامية إلى الوفاء بتعهداتها الأممية، عبر تزويدها بالمعطيات والمعلومات المرتبطة بمجال اختصاصه، وشمل ذلك إعداد المعلومات الخطية المتعلقة بتنفيذ توصيات اللجنة المعنية بحماية حقوق العمال المهاجرين وأفراد أسرهم، والمساهمة في تنفيذ التوصيات الختامية للجنة القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، فضلا عن الإسهام في إعداد التقرير المرحلي الخاص بتتبع تنفيذ توصيات الجولة الرابعة من آلية الاستعراض الدوري الشامل لسنة 2022 .

كما انخرط المجلس بجدية ومسؤولية في المبادرة التي أطلقتها المندوبية الوزارية المكلفة بحقوق الإنسان، والمتعلقة بإعداد خطة وطنية لتتبع تنفيذ التوصيات الصادرة عن آليات الأمم المتحدة، حيث شارك في مختلف الاجتماعات التنسيقية المرتبطة بها، والتزم بتفعيل التوصيات التي تدخل ضمن نطاق اختصاصاته، بما يعزز التنسيق المؤسساتي ويضمن الانسجام مع الاستراتيجية الوطنية في مجال حقوق الإنسان .

وفي ما يخص دعم التعاون مع الآليات الأممية غير التعاهدية، واصل المجلس الأعلى للسلطة القضائية، في إطار التزامه بتعزيز حضور المغرب على الساحة الدولية في مجال حقوق الإنسان، وحرصه على الانفتاح على مختلف الشركاء الأمميين، خلال سنة 2024، انخراطه الفعال في جهود الدولة الرامية إلى دعم التعاون مع الآليات الأممية غير التعاهدية، بما فيها الإجراءات الخاصة لمجلس حقوق الإنسان، إلى جانب باقي الهيئات والأجهزة التابعة للأمم المتحدة .

وقد جسد المجلس هذا الانخراط من خلال تزويد هذه الآليات بالمعطيات القضائية الدقيقة، والمشاركة النشطة في الاجتماعات التنسيقية ذات الصلة، إلى جانب الإسهام في إعداد دراسات وتقارير أممية تناولت قضايا حقوقية بالغة الأهمية، من أبرزها الحق في التنمية، من خلال المساهمة في تقرير فريق الخبراء حول المشاركة الفعالة والحرة للمرأة في التنمية وصنع القرار، واستقلال القضاء من خلال المساهمة في تقرير المقررة الخاصة المعنية باستقلال القضاة والمحامين بخصوص التأثير غير المشروع للفاعلين الاقتصاديين على منظومة العدالة، ثم حقوق الإنسان في إقامة العدل، من خلال المساهمة في استبيان المفوضية السامية لحقوق الإنسان حول العدالة وحقوق الإنسان .

ومن بين أبرز القضايا الحقوقية أيضا العنف المبني على النوع، من خلال الإسهام في دراسة اللجنة الاستشارية لمجلس حقوق الإنسان حول العنف الميسر بالتكنولوجيا وتأثيراته على النساء والفتيات، ثم الأسلحة النارية، من خلال تقديم معطيات لتقرير مفوضية حقوق الإنسان حول آثار اقتناء المدنيين للأسلحة النارية واستخدامها، وعقوبة الإعدام، من خلال المساهمة في الدراسة الاستقصائية التي أنجزها مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة حول عقوبة الإعدام، بالإضافة إلى بيع الأطفال والاستغلال الجنسي، من خلال الإسهام في تقرير المقررة الخاصة حول هذه الظاهرة .

وبهذا الحضور النوعي، يضيف التقرير، يؤكد المجلس الأعلى للسلطة القضائية موقعه كشريك مؤسساتي أساسي في الدبلوماسية الحقوقية للمملكة، ويساهم في تعزيز صورة المغرب كدولة منخرطة بجدية في المنظومة الأممية، وقادرة على تزويدها بالخبرة والمعطيات اللازمة لترسيخ ثقافة العدالة وحقوق الإنسان .

وفي الشق المتعلق بتعزيز ونشر ثقافة حقوق الإنسان، وانسجاما مع التزاماته بتنفيذ التوصيات الصادرة عن الآليات الأممية والاتفاقيات الدولية ذات الصلة، عزز المجلس الأعلى للسلطة القضائية خلال سنة 2024 حضوره في المشهد الحقوقي، من خلال مشاركته الفاعلة في ندوات ودورات تكوينية ومبادرات دولية متنوعة. وهو ما يعكس إرادة المجلس في تبادل الخبرات، وتقوية القدرات المؤسساتية، وجعل ثقافة حقوق الإنسان ركيزة لتعزيز العدالة والمساواة وضمان الحقوق والحريات .

وبالنسبة للمحطة الثانية التي تجسد جهود المجلس الأعلى للسلطة القضائية في ترسيخ منظومة حقوق الإنسان، والمتمثلة في وضعية الاعتقال الاحتياطي، ذكر المجلس بأن “الاعتقال الاحتياطي يعد من أكثر التدابير الإجرائية إثارة للنقاش في المنظومة الجنائية، باعتباره أداة مزدوجة الأبعاد، فمن جهة يشكل وسيلة وقائية لحماية سير العدالة وضمان حضور المشتبه فيهم أمام القضاء، ومن جهة أخرى يلامس بشكل مباشر أحد أقدس الحقوق الدستورية، وهو الحق في الحرية الفردية، ولعل هذه الطبيعة المركبة تجعل منه إجراء استثنائيا، لا يلجأ إليه إلا في الحالات التي تقتضيها الضرورة القصوى، كخطورة الأفعال المرتكبة، أو احتمال التأثير على الشهود، أو طمس الأدلة، أو المساس بالنظام العام” .

وتماشيا مع هذه الرؤية، اعتمدت السلطة القضائية سياسة ممنهجة تروم ترشيد اللجوء إلى الاعتقال الاحتياطي، وتكثيف استعمال البدائل القانونية، إلى جانب إرساء آليات مؤسساتية ورقمية لتتبع المعتقلين احتياطيا، ورصد المؤشرات الإحصائية بدقة، باعتبارها أداة لتقييم فعالية الأداء القضائي وجودة التنسيق بين مختلف الفاعلين، من محاكم، ونيابات عامة، وغرف التحقيق، وهيئات استئناف، وإدارة السجون.

وسمحت هذه الدينامية بتطوير قاعدة بيانات وطنية حديثة، مدعومة بمنظومة معلوماتية متقدمة، تتيح إجراء تقييمات دورية، وإنجاز دراسات موضوعاتية، وصياغة توصيات عملية تسهم في تحسين الممارسة القضائية .

وأبرز التقرير أن نسب الاعتقال الاحتياطي عرفت تراجعا غير مسبوق يعكس نجاعة السياسة القضائية بالمغرب، موضحا أن وضعية الاعتقال الاحتياطي بالمملكة شهدت خلال الفترة الممتدة من 2011 إلى 2024 تحولات نوعية تعكس جهود السلطة القضائية في ترشيد هذا التدبير الاستثنائي وتعزيز البدائل القانونية؛ فبالرغم من الارتفاع الملحوظ في عدد الساكنة السجنية، الذي انتقل من 64.833 نزيلا سنة 2011 إلى 105.094 نزيلا عند متم سنة 2024، أي بزيادة تجاوزت +62 في المئة، فقد سجل مسار مغاير على مستوى نسب الاعتقال الاحتياطي .

فعدد المعتقلين احتياطيا ارتفع بشكل محدود مقارنة مع النمو العام للساكنة السجنية، منتقلا من 27.470 معتقلا سنة 2011 إلى 33.405 سنة 2024، أي بزيادة نسبتها +21,6 في المئة فقط، مع تسجيل انخفاض لافت سنة 2024 بلغ -13,35 في المئة مقارنة مع سنة 2023 .

والأهم من ذلك، يتابع التقرير، أن نسبة الاعتقال الاحتياطي من مجموع الساكنة السجنية عرفت تراجعا تدريجيا ومطردا، حيث تراجعت من مستويات مرتفعة تجاوزت 42 في المئة خلال الفترة (2011-2017)، لتصل إلى أدنى مستوى لها في غضون أربعة عشر عاما، محققة نسبة 31,79 في المئة فقط عند متم سنة 2024، لافتا إلى أن هذا الانخفاض الحاد، الذي بلغ -30,44 في المئة مقارنة بسنة 2020، يعتبر مؤشرا إيجابيا على نجاح المقاربة القضائية الجديدة التي توازن بين ضمانات المحاكمة العادلة ومتطلبات الأمن القضائي .

وتعكس هذه الأرقام بوضوح انتقال السياسة الجنائية من منطق التوسع في الاعتقال الاحتياطي إلى ترشيد استعماله وربطه حصرا بحالات الضرورة، بما يرسخ ثقة المواطن في العدالة، ويبرز التزام المغرب بالمبادئ الدستورية والمعايير الدولية لحقوق الإنسان .

أما في ما يتعلق بتوزيع المعتقلين الاحتياطيين حسب درجة التقاضي عند متم سنة 2024، فقد كشف التقرير أن عدد المعتقلين الاحتياطيين سجل عند متم سنة 2024 ما مجموعه 33.405 معتقلين، توزعوا بين مختلف درجات التقاضي، في مؤشر يكشف عن طبيعة هذا التدبير الاستثنائي وارتباطه بمسار الدعوى الجنائية .

وقد استأثرت محاكم الاستئناف بالنصيب الأوفر، حيث بلغ عدد المعتقلين بها 26.063 معتقلا احتياطيا، أي ما يعادل 78,02 في المئة من المجموع العام، وهو ما يعكس ثقل هذه المحاكم في معالجة القضايا الزجرية الكبرى، خصوصا تلك المعروضة على غرف الجنايات وقضاة التحقيق، التي تتسم عادة بخطورة الأفعال وتشابك ملفاتها .

أما على مستوى المحاكم الابتدائية، فقد سجل ما مجموعه 3.966 معتقلا احتياطيا، أي بنسبة 11,87 في المئة من مجموع المعتقلين، وهو ما يؤكد أن الاعتقال الاحتياطي ظل محدود اللجوء في القضايا ذات الطابع البسيط أو الأقل خطورة .

وبخصوص محكمة النقض، فقد بلغ عدد المعتقلين المعروضين عليها 3.376 معتقلا احتياطيا، بنسبة 10,11 في المئة، في ارتباط مباشر مع الملفات التي بلغت مرحلة الطعن بالنقض، مما يعكس دور هذه المحكمة في مراقبة المشروعية وضمان احترام القوانين والإجراءات .

وأشار التقرير إلى أن هذا التوزيع يبرز أن الاعتقال الاحتياطي يتركز أساسا في القضايا ذات الطبيعة الخطيرة والمعقدة التي تنظر فيها محاكم الاستئناف، مع تسجيل توجه عام نحو ترشيد استعمال هذا التدبير على مستوى المحاكم الابتدائية، انسجاما مع السياسة القضائية الرامية إلى تقليص اللجوء إليه إلا في حالات الضرورة .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.