فضيحة الفيديو وما بعدها…!

0

مر الآن أزيد من أسبوع عن فضيحة فيديو مداولات لجنة أخلاقيات الصحافة، الذي نشره حميد المهداوي، وليس هناك أي تحقيق أو تفسير رسمي أو ترتيب جزاء بشأن ما استنكره كل المغاربة واحتج عليه الجسم الصحفي وهيئات المحامين وغيرهم.
بدل هذا لم يجد بعض المتورطين في الفضيحة سوى ممارسة الهروب إلى الأمام و”تخراج لعينين”ونشر بلاغات اعتذار باعثة على الشفقة والغضب، كما أن السيد وزير القطاع، من جهته، لم يتردد في محاولة للإفلات من تبعات الفضيحة المدوية واعتبار ذلك مجرد سلوكات أفراد، ولم يقو على قول ولو شبه جملة لاستنكار ما حدث، كما أنه لم يخجل من القفز على كل هذا والتصريح جهارا و… وقاحة بأنه غير مستعد للحوار مع…( العدميين)، حاشاك يا معاليك!!!!
الأمر اليوم صار واضحا بكونه يورط الحكومة ووزيرها في القطاع، وليس سلوكا منفردا لأفراد، وما فجره فيديو المهداوي من فضائح كان النتيجة الحتمية لما جرى التنبيه له منذ مدة حول”عدمية” الوزير نفسه، وجهله وتواطؤه وإشرافه على فبركة كامل تفاصيل المؤامرة.
لقد بدأت المشكلة منذ حوالي ثلاث سنوات عند رفض تنظيم انتخابات لتجديد تركيبة مؤسسة التنظيم الذاتي والتذرع في ذلك بشكليات مسطرية غير مقنعة.
حاول الوزير بمعية فريقه البرلماني بمجلس النواب حينها تمرير مقترح قانون غريب عجيب لكنه فشل في ذلك بسبب تدخل حكيم، ثم استطاع تمرير قانون لإحداث لجنة مؤقتة رفضه معظم الجسم المهني والأوساط الحقوقية، ومنح بموجبه للجنة عين هو ورئيس الحكومة اعضاءها ولاية مدتها سنتين كاملتين، وبذلك قتل كل أثر للتنظيم الذاتي وصرنا أمام لجنة معينة من طرف الحكومة، وحتى لما أكملت هذه اللجنة حولين كاملين لم يتدخل الوزير والحكومة لشرح مصيرها القانوني أو لتبرير استمرارها خارج المنطق والقانون، وذلك لحد الان، ومن دون أي سند.
وقد فصلت هذه اللجنة على مقاس جمعية مهنية واحدة جرى إحداثها في سياق غريب، ولم تشمل اللجنة المؤقتة سوى ممثلوها، كما بقي الوزير لا يلتقي سوى هذه الجمعية ولا يسمع إلا لها ولا يتفق إلا معها، ولم يهتم بهيئة عريقة لناشري الصحف هي من كانت شريكا للسلطات العمومية في كل برامج الإصلاح طيلة أزيد من عقدين، ووقعت على كل الاتفاقات والالتزامات، ثم فازت بكامل مقاعد فئة الناشرين في أول انتخابات للمجلس الوطني للصحافة عام:2018.
ولما جاء الوزير باسم الحكومة بمشروع قانون لاعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة، الموجود الان قيد الدراسة بمجلس المستشارين، وإصرارا منه على إقصاء فيدرالية الناشرين واستهدافها، فصل بنود هذا المشروع على مقاس أعضاء الجمعية المرغوب فيها، وألغى مبدأ الانتخاب من أصله وغيره بالتعيين والانتداب، واشترط رقم معاملات والرأسمال الصحفي في سابقة غير موجودة في كل العالم، وذلك فقط لتمكين حوارييه من التحكم في مؤسسة التنظيم الذاتي.
رفض الجميع مشروع القانون الحكومي ولا أحد دافع عنه عدا الوزير نفسه، وحتى مؤسستان دستوريتان صرحتا بالكثير من عيوب هذه الخطوة الحكومية لكن بلا أي نتيجة، وصرخ خمسة وزراء اتصال سابقين تنديدا بمشروع القانون وخلفيته، ووحدها الحكومة لا تسمع ولا تبصر ولا تفهم ولا يعنيها شيء على الإطلاق.
فيديو الفضيحة كشف كامل المناورة، وعرى مؤامرة الوزير.
كل الذين تورطوا في الفضيحة وظهروا في مشاهد الفيديو ينتمون للتنظيم نفسه الذي يرعاه الوزير والحكومة، ومن أجلهم جرى تفصيل القانون المرفوض اليوم، كما فصلت لفائدتهم اللجنة المؤقتة.
والى جانب مشروع قانون إعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة الموجود الان لدى مجلس المستشارين، سبق أن أقرت الحكومة مرسوما للدعم العمومي بعد طول انتظار، وفصله الوزير تفصيلا على مقاس التنظيم ذاته والأشخاص أنفسهم، وشكل لجنة لتدبيره لا تضم سوى أعضاء التنظيم المذكور لوحده، وهنا أيضا كانت الخلفية هي التغول والهيمنة والاستحواذ على ميزانية الدعم وعلى المال العام بعد التمكن من التحكم في مؤسسة التنظيم الذاتي وفي القرار التأديبي، وجعل القطاع ومصير مقاولاته بيد أشخاص هم أنفسهم من عرى الفيديو كل سوءاتهم وكشف غاياتهم.
ولا ننسى كذلك أن الاشخاص أنفسهم منح لهم احتكار دعم الصحافة الرياضية بطريقة غريبة وغير قانونية، وأغدقت عليهم ميزانيات ضخمة خلال تظاهرات قارية ودولية لكرة القدم في السنتين الاخيرتين.
المشترك في كامل تفاصيل الفضيحة هو وجود أشخاص تعرف أسماؤهم ومواقفهم وسيرهم وخلفياتهم جمعهم الوزير حواليه وشكل بهم”جبهة”للتحكم والتهديد والوعيد، وإبعاد كل من يختلف معهم أو شتمه والتشهير به.
إذن المشكلة اليوم ليست فئوية أو قطاعية تعني اختلافا عاديا بين الصحفيين أو ناشري الصحف، ولكنها مشكلة تتعلق بسياسة الحكومة ووزيرها في القطاع، وتتعلق بإصرار الحكومة على استهداف حرية الصحافة واستقلالية القطاع، وعلى المس بثوابت الدستور كما حددها الفصل ال28، وعلى هدم كامل التجربة المهنية والتنظيمية التي راكمتها الصحافة الوطنية ومنظماتها التمثيلية الجادة، وكل هذا فيه مس بصورة المملكة وضرب لتميزها الديموقراطي وتعدديتها وتنوع مشهدها الإعلامي.
الحكومة ووزيرها في القطاع يعملان لكي لا تكون في البلاد صحافة جادة وأخلاقية وتعددية، وتسند البلاد في مواكبة ومواجهة ما يطرح عليها اليوم ومستقبلا من تحديات.
لقد فضح الفيديو المنتشر هذه الأيام، وتطرقت اليه أوساط إعلامية وحقوقية كثيرة خارج المملكة، عورات كثيرة، ولقد كشف عن إساءات بليغة لمؤسسات ومسؤولين في الدولة بالصوت والصورة، وتعرض، من خلاله، محامون وصحفيون إلى الكثير من الاهانة والشتم والتحقير، كما فضح جهل الأعضاء بالقانون والاخلاق والحد الأدنى من التأدب والاحترام، وكل هذا يتطلب اليوم تحقيقا جديا في محتوى الفيديو وترتيب الجزاء القانوني المناسب، واستحضار ضرورة تحديد المسؤوليات واحترام هيبة الدولة ومقتضيات دولة القانون.
أما الحكومة، فالمنتظر منها هو الجواب السياسي والقانوني، أي الإقرار بمسؤوليتها المباشرة، كونها هي من عينت اللجنة المؤقتة لوحدها، وأن المجلس الوطني للصحافة المنتخب انتهى منذ أزيد من سنتين ولم يعد له وجود أصلا، والكيان الحالي أحدث بموجب قانون، ثم تعلن، تبعا لمسؤوليتها الواضحة، اللجنة المؤقتة منتهية الصلاحية وخارج القانون، خصوصا أن ولايتها أصلا انتهت في بداية أكتوبر ولم يجر أي تمديد لها.
بعد ذلك يمكن للحكومة، من خلال وزارة القطاع، تدبير فترة انتقالية محددة لتصريف الأمور الجارية، وتولي انجاز البطاقات المهنية لهذه السنة بالخصوص.
وفي الإطار نفسه، وحيث أن مشروع القانون المطروح على مجلس المستشارين هو جزء من كامل المؤامرة التي فضحها الفيديو ويعني الأشخاص انفسهم، يجب تعليق مسطرة التشريع بشأنه، ووقف دراسته، ثم فتح حوار حقيقي مع كل المنظمات المهنية الجادة، والبحث الجماعي عن أفق جديد للتنظيم الذاتي للصحافة، وذلك تفاعلا مع كل هذا الذي حصل.
وأيضا مراجعة مرسوم الدعم العمومي الذي كانت الحكومة قد صادقت عليه من قبل، وتغيير تركيبة لجنة تدبيره كما فصلها وزير القطاع بتواطؤ مع أصحابه الذين فضحهم الفيديو بالصورة والصوت والأسماء والصفات.
وزير القطاع يصر على”تخراج لعينين”ويرفض كل حوار أو حتى إدخال أي تعديل على مخططه التحكمي البليد، وخرجاته الدعائية والصبيانية في الأيام الأخيرة تبين أنه لم يفهم شيئا مما وقع، وأنه يحاول الهروب بجلده والتبرؤ من الفضيحة حتى لو غرق فيها من كان هو وراء صنعهم وتفريخهم ونشرهم حوالي المهنة.
ولهذا، يبقى المخرج أن تتحمل الحكومة ورئيسها كامل المسؤولية القانونية والاخلاقية والسياسية واتخاذ ما يلزم على ضوء ما عرته فضيحة الفيديو.
الكرة عند من يفكر في مصلحة البلاد وصورة المغرب، وليس عند من يتعلم كيفية اللعب بها إرضاء لنزوات ومصالح أصحابه.
المنظمات المهنية التي عارضت سياسة الوزير واختلفت معه منذ البداية لم تكن عدوة له أو للحكومة ولكنها رفعت مطالب بسيطة وموضوعية، والحكومة لم ترد الإنصات او التفاعل.
اليوم هذه المطالب تأكد صوابها، ولم تعد اليوم الفيدرالية المغربية لناشري الصحف وحدها من يختلف مع الوزير ومع المتحكمين في اللجنة المؤقتة ومن عينهم، ولكن معظم منظمات الصحفيين والناشرين والمركزيات النقابية والصحافة الجهوية صارت تتبنى بوضوح نفس الموقف، وهو ما سانده خمسة وزراء اتصال سابقين ومؤسستين دستوريتين وجمعيات حقوقية ومدنية متنوعة
وبعد انتشار فيديو الفضيحة انضم لهذا الموقف معظم الرأي العام الوطني وأقيمت احتجاجات ميدانية في الشارع بعدد من المدن، وضمنها وقفة أمام مقر وزارة الثقافة بالرباط مساء الجمعة.
أيتها الحكومة الحالية:
إن ما يقع في قطاع الصحافة وحواليه فضيحة حقيقية تسيء للمغرب وتتطلب تدخلك وتدخل رئيس الحكومة
أيها الوزير المكلف بالقطاع:
إن كامل المخطط الذي باشرته في السنوات الثلاث الأخيرة افتضح أمره وسقط بفضيحة مدوية، ومن تحلقوا حولك واستعنت بهم منذ البداية تعروا اليوم جميعا وانكشفت عوراتهم وفضحوك معهم.
ما عليك اليوم سوى وقف الفضيحة والتفكير في مصلحة البلاد والجلوس للحوار مع الذين اختلفوا معك والسعي لايجاد الحل.
هل تمتلك السيد الوزير شجاعة القيام بذلك؟

*مدير نشر:( بيان اليوم) و(ALBAYANE)

عن:اشطاري24

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.