“الحليمي” في اليوم العالمي للاحصاء: “نتطلع للمستقبل ونرصد التحولات ونقف عند التحديات والمخاطر المتصاعدة للطائفية..” – حدث كم

“الحليمي” في اليوم العالمي للاحصاء: “نتطلع للمستقبل ونرصد التحولات ونقف عند التحديات والمخاطر المتصاعدة للطائفية..”

خلد المغرب امس، اليوم العالمي للإحصاء ، الذي يصادف 20 اكتوبر من كل سنة ، تحت شعار: “إحصائيات أفضل من أجل حياة أفضل”، وفي كلمته بالمناسبة اشاد المندوب السامي للتخطيط احمد الحليمي علمي كلمة ، بالملتقى الذي التأم تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، للتفكير “بمستقبل البث الفضائي في المنطقة، ذلك أن التطورات والتحولات التكنولوجية المتسارعة، والتي في جزء منها يقع استيعابها والتكيف معها من طرف عرب سات، وهي تحولات متسارعة تنعكس ليس فقط على تقنيات البث وكلفته بل تأثر بشكل جذري على أنماط الاستهلاك وتضع المجتمعات أمام خيارات أخرى إن لم نقل خيارات بديلة تهدد بشكل جذري مستقبل الأنماط الحالية، التقليدية منها أو الحديثة”.

واشار الحليمي الى “حالة المغرب قبل حوالي عشر سنوات، الذي لم يكن يتعدى عدد الأسر التي تتوفر على صحن هوائي لاقط للفضائيات 34 بالمائة بينما اليوم تقارب 84 بالمائة”، بمعنى ـ يضيف المندوب السامي ـ “أن المصدر الأساسي لاستهلاك المنتوج السمعي البصري لم يعد هو البث الأرضي بل أصبح البث الفضائي، قبل 10 سنوات كنا في حدود ثلث الأسر  مصدرها الأساسي للمعلومة يرتبط بالبث الأرضي صادر عن الدول ويخضع لتقنين وتنظيم، بينما هو اليوم مؤطر ببث فضائي محكوم بمنطق جديد، منطق يقوم بالدرجة الأولى على التداخل القائم بين الأقمار الإصطناعية، وهو ما تعاني منه عرب سات حاليا مع الأقمار الصادرة من مناطق أخرى بالاتحاد الأوربي حيث يجد المشاهد العربي نفسه إزاء عرض يتجاوز ما تقدمه عرب سات ولا يخضع حتى لمواثيق الأخلاقيات والسلوك الصادر عن المؤسسة فبالأحرى أن يؤطر بدفاتر تحملات أو ينتظم في إطار ما تضعه هيئات التقنين والبث في الدول العربية من دفاتر تحملات”، وفي ما يلي العرض الكامل للمندوب السامي للتخطيط:

ثورة تقنيات الاتصال عبر الهاتف النقال

وبالإضافة إلى هذا التداخل بالأقمار الصناعية، أصبح البث الفضائي مؤطرا أيضا بمنطق ثان هو منطق ثورة تقنيات الاتصال المرتبطة بالهاتف النقال، ذلك أننا في المغرب، وعلى سبيل المثال، قبل حوالي خمس سنوات كان عدد مشتركي الهاتف النقال والانترنت لا يتجاوز الثلاثة ملايين ونصف، وهو اليوم تجاوز أحد عشر مليون وثلاث مئة ألف مشترك، تسعين بالمائة منهم مشتركون في الانترنت بتقنية الجيل الثالث وانخرطنا في الأشهر الأخيرة في تقنية الجيل الرابع، وفي الاتحاد الأوربي هناك نقاش حول الجيل الخامس، وهو الجيل الذي سينقل استهلاك المنتوج السمعي البصري من الفضائيات إلى الخدمات المبثوثة على الانترنت عبر مواقع انترنت تبث خدمات سمعية بصرية وتشكل بدائل للبث الفضائي، وكما حصل بالإعلام الورقي الذي كان يؤطر حوالي 85 بالمائة قبل حوالي عشر سنوات وحوالي 15 بالمائة تؤطرها المواقع الإخبارية، لتنقلب المعادلة اليوم، وتصبح بالتالي التشريعات المعتمدة تشريعات متجاوزة لأنها وضعت بمنطق الصحافة الورقية، وهو نفس الأمر على مستوى البث الفضائي وما يرتبط به من خدمات في الاتصال السمعي البصري.

إرساء مقاربة استباقية ( البث الأرضي الرقمي نموذجا )

ولهذا، وأنتم مجتمعون اليوم في ظل ما نشهده من حالة فوضى أو انفجار على هذا مستوى المعطيات التقنية التي تعيد صياغة المجال السمعي البصري بشكل جذري، نحن مدعوون أولا إلى التفكير في مدى صلاحية التشريعات القائمة، القواعد التنظيمية، الأطر المؤسساتية، برامج التكوين والتأهيل والتدريب المعتمدة لأننا إزاء عهد ومرحلة جديدة لازالت تتشكل وتتكون، ودون تفكير عميق سنُتجاوز.
وسأعطي مثالا في التفكير الاستباقي كان له دور حاسم، ويتعلق الأمر بالانتقال نحو التفلزة الرقمية الأرضية، ذلك أننا في المغرب وإزاء هذه التحولات كنا قبل حوالي 6 سنوات في حدود 4 بالمائة من الأسر التي تتوفر على إمكانية التقاط البث الرقمي الأرضي، وهذا المعطي سيادي لأن ارتهان الدول إلى البث الفضائي في ظل تعدد تقنيات التشويش والتعطيل لم يعد من الممكن في إطار السيادة الإعلامية للدول، ومؤخرا في فرنسا تم التمكن من تعطيل قوات شبكة تلفزية رئيسية وبث خطاب معين عبرها.

ولذلك انخرط المغرب في استراتيجية انجاح الانتقال نحو البث الرقمي الأرضي وخضنا التجربة في إطار التعاون الوثيق مع الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري، وهي مناسبة لشكرها والتنويه بعملها في هذا المجال، وتمكنا في خلال هذه السنة وفي ظرف ستة أشهر من الانتقال من 4 بالمائة من الأسر التي تتوفر على إمكانية التقاط البث الرقمي الأرضي إلى 30 بالمائة، وفي منطقة الدار البيضاء الكبرى المنطقة الأساسية في المغرب من الناحية الديمغرافية، انتقلت النسبة إلى حوالي 60 بالمائة.

وهذا تحد للبث الفضائي وللفضائيات لأننا إزاء خيارات جديدة ولم يكن من الممكن النجاح في ذلك بدون تفكير استباقي أدى إلى مراجعة القانون المرتبط بهذا المجال، وصادق البرلمان المغربي عليه بإجماع، وأدى إلى التعاون مع الشركات الوطنية في مجال السمعي البصري من أجل تطبيق العرض المقدم، وأيضا إلى التعاون مع شركات القطاع الخاص من أجل إنجاح ورش تمكين الأسر المغربية من هذه الأجهزة، والمغرب يعد الآن من البلدان الرائدة إفريقيا في هذا المجال والذي تم وفق مخطط وطني هو اليوم في مراحله الأخيرة، كما نستعد اليوم لإطلاق حملة تواصلية ثانية في هذا المجال.

تعزيز التعاون الدولي

وإلى جانب مراجعة التشريعات والقواعد التنظيمية والأطر المؤسساتية والبرامج التكوينية يجب علينا أيضا تعزيز التعاون الدولي لأن ليس هنالك من خيار، وليس فقط بالنسبة إلينا على مستوى المنطقة العربية بل أيضا في المناطق الأخرى، وهذا المشكل مطروح على مستوى الاتحاد الأوربي الذي أصبحت بعض الشركات تبث من دول أخرى حتى تفر من قواعد التعددية والتنوع وغيرها من القواعد، وهذا المشكل طرح عندما أجرى الاتحاد الأوربي قبل سنتين استشارة موسعة واشتكت دول من هروب الشركات من الخضوع للقواعد التي تنظم التعددية السياسية والتعددية اللغوية والتعددية الثقافية.

المهم بالنسبة إلينا ونحن نتطلع للمستقبل ونرصد هذه التحولات ونقف عند هذه الحالات ونقف عند التحديات والمخاطر المتصاعدة للطائفية التي تحاول أن تنتج جيتوهات تخدم سياسات التقسيم والتجزئة وتغذي نزعات الاحتراب والتوتر والعنف والعرقية وغيرها من المخاطر التي وجدت في البث الفضائي ملجأ لتصريف قناعاتها وتوجهاتها وهو أمر يمثل تحديا ليس بمقدور دولة لوحدها أن تواجهه، بل يمكن القول إن تلك الفوضى التي نراها قد سعى إليها البعض حتى تخدم هذه التوجهات التقسيمية والاحترابية والصراعية والدموية والطائفية، لهذا علينا أن نتحمل مسؤوليتنا لبث فكر وسطي معتدل يجد مرجعيته في عقيدة الإسلام السمحة ويقدم جوابا، ليس فقط لأبناء منطقتنا، بل للعالم وللإنسانية، ويكفي أن ترصدوا وتتابعوا صورة المنطقة في العالم انطلاقا مما يبث في قنواتنا وفضائياتنا، فالأمر ليس بالسهل بل هو أمر جلل وكبير.

مشاريع رائدة في مواجهة التحديات

وقد كان للمغرب سعي استباقي في هذا المجال بتوجيه ملكي سام حيث بادر جلالة الملك منذ أزيد من عشر سنوات إلى تعبئة المجتمع والدولة والمؤسسات لمواجهة هذه الإشكاليات وأطلقت تجارب نعتبرها اليوم ناجحة وإيجابية سواء على المستوى اللغوي إن تعلق الأمر باللغة الأمازيغية أو الصحراوية الحسانية، أو على المستوى الديني من خلال إذاعة محمد السادس للقرآن الكريم والتي هي الإذاعة الأولى من حيث نسبة الاستماع في المغرب، أو القناة السادسة، وهي مبادرات ما لبثت مختلف المؤسسات في بلدنا تعمل على الارتقاء بها وعيا بهذه التحديات. وعلينا أن نمتلك الجرأة، لأن الحامل وهو القنوات أصبح مرتبطا بالمضمون الذي يحمله وأصبح التداخل بين الحامل والمضمون تداخلا قويا وكبيرا، إنها مسؤولية تاريخية وعظيمة مطروحة على جامعة الدول العربية وكانت إحدى نقط النقاش في الاجتماع الأخير الذي نظمه وزراء الإعلام العرب، وستكون أحد القضايا الأساسية بالمنتدى الإعلامي الإفريقي الأول الذي سينظم في بلادنا تحت رعاية جلالة الملك محمد السادس نصره الله في 17 دجنبر القادم بمراكش وبشراكة مع منظمة التعاون الإسلامي، والهدف الأساسي منه هو بلورة إجابات جماعية ومشتركة وموحدة تواجه هذه الإشكاليات التكنولوجية والأخلاقية والقيمية والوحدوية، وهذا الأمر كما يقع الآن في الولايات المتحدة الأمريكية أو أوروبا هو أمر مقدور عليه بشرط توفر الإرادة، وملتقاكم هذا هو مدخل من مداخل بناء هذه الإرادة.

إطلاق جيل ثان من الإصلاحات بقطاع الإعلام

لقد أطلق المغرب منذ حوالي خمس سنوات، بعد اعتماد الدستور الجديد في يوليوز 2011، جيلا ثانيا من الإصلاحات ليقدم النموذج حتى لا نرهن أنفسنا لإجابات عربية أو إسلامية  أو مغاربية، وهو جيل ثان من الإصلاحات بدأ أولا باعتماد دفاتر تحملات للإعلام العمومي وبعدها دفتر تحملات من قبل الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري لقناة تلفزيونية خاصة في بلادنا، وانتقل بعد ذلك إلى إصلاح المنظومة القانونية للإعلام والاتصال، حيث انخرطنا في المغرب في ورش غير مسبوق على مستوى الإصلاح القانوني شمل ثمانية قوانين، قانون الصحافة والنشر، القانون الخاص بالصحفي المهني، القانون الخاص بالمجلس الوطني للصحافة، قانون جديد خاص بالهيئة العليا للاتصال السمعي البصري، وتعديل لقانون الاتصال السمعي البصري وقانون خاص بالمركز السينمائي المغربي، وقانون خاص بوكالة المغربي العربي للأنباء، وقانون خاص بالأخلاقيات المؤطرة للإشهار  وللمنتوج السمعي البصري تمت المصادقة عليه بالإجماع بالبرلمان يوليوز الماضي، والقوانين الأخرى تمت المصادقة على مشاريع بعضها من طرف الحكومة والبعض الآخر ستقع المصادقة عليه قبل بالبرلمان.

مبادئ الورش القانوني

وهو ورش يقوم على ثلاث مبادئ، تعزيز استقلالية الإعلام، تعزيز التعددية وتعزيز الحرية، وكل ذلك وفق آلية تعنى بآليات التنظيم الذاتي عبر إحداث لجن للأخلاقيات وإحداث هيئات للتنظيم والضبط الذاتي وتعزيز دور وقوة الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري، هي مبادئ أثمرت تطويرا لمنظومة التعددية السياسية والجمعوية في بلادنا على المستوى الإعلامي، وهو معطى مهم، لأننا اليوم نتجه نحو مضاعفة عدد الساعات المخصصة للحوار والنقاش السياسي في الإعلام العمومي، وأيضا أثمرت تدقيق منظومة الأخلاقيات المرتبطة بالخدمة السمعية البصرية من خلال حماية القاصرين وحماية المرأة ومناهضة الصور التمييزية ضدها ومناهضة العنصرية ومناهضة العنف، واحترام الحياة الخاصة واحترام الملكية الفكرية وغيرها من القواعد الأساسية، وتمكين المجتمع من اللجوء إلى لجان الأخلاقيات على مستوى القنوات العمومية، وأيضا أتمرت التوجه نحو تعزيز التنوع الثقافي واللغوي سواء تعلق الأمر بتعزيز مكانة اللغة العربية أو اللغة الأمازيغية أو الصحراوية الحسانية، مما يضمن تدبير هذا التنوع في إطار يصون الوحدة الوطنية.

تحدي جودة المضمون

كما نتطلع أيضا إلى مواكبة الانتظارات على مستوى جودة المضمون ولهذا قدم المغرب تجربة رائدة هي التجربة الوحيدة في المنطقة العربية التي عملت على فتح مجال الإنتاج الخارجي للقنوات العمومية إلى المنافسة الحرة والشفافة والمفتوحة لشركات الإنتاج، مما أدى إلى نمو نسيج مقاولاتي وطني يفوق المائة شركة إنتاج مستقلة تعمل على التنافس من أجل تقديم عرض سمعي بصري في القنوات العمومية، وهي تجربة ظهرت قبل سنوات في بعض الدول كالولايات المتحدة الأمريكية وحاليا تمكنا في المغرب من التقدم نحو إرسائها.

إنها عناصر نجاح أولية تضاف إلى النجاح المرتبط بالانتقال نحو التلفزة الرقمية وهي عناصر نجاح نتطلع إلى تعزيزها وإلى مشاركة الخبرة الناتجة عنها معكم في إطار هذا الملتقى والذي نتمنى لأشغاله النجاح”.

 

 

التعليقات مغلقة.