استحقاقات سابع أكتوبر امتحان جديد لإرادة الأحزاب في تمكين المرأة من مشاركة أكبر في تدبير الشأن العام – حدث كم

استحقاقات سابع أكتوبر امتحان جديد لإرادة الأحزاب في تمكين المرأة من مشاركة أكبر في تدبير الشأن العام

إعداد: فاطمة رفوق
تخوض النساء المغربيات ثاني استحقاق تشريعي بعد مضي خمس سنوات على تعديل دستور أقر بتمتع الرجل والمرأة “على قدم المساواة، بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية..” (الفصل 19)، وبعد تمكينهن من آلية للتمييز الإيجابي تساعدهن على دخول البرلمان (لائحة وطنية للنساء والشباب) والتربع على تسعين مقعدا وسط مجلس كانت معظم الأصوات التي تصدح فيه قبل عقد ونيف من الزمن ذكورية بامتياز.
وإذا كانت مشاركة النساء في الاستحقاقات البرلمانية السابقة شهدت، بفضل القوانين الانتخابية الجديدة التي ربطت تمثيليتهن ب”الكوطا”، تطورا ملحوظا رغم بطء وتيرته (مقعدان سنة 1993، 35 مقعدا سنة 2002، 90 مقعدا سنة 2011)، فإن استحقاقات السابع من أكتوبر 2016 تبقى محطة جديدة لامتحان قدرة وإرادة الأحزاب ومعها الحكومة المقبلة، على تطبيق الفصل التاسع عشر من الدستور ومنح المرأة حظوظا أكبر للمشاركة في تدبير الشأن العام وجعل تمثيليتها ترقى إلى مستوى نضال الحركات النسائية الطامحة إلى تحقيق مبدأ المناصفة، الذي يسعى الجميع لبلوغه مستقبلا.
فبعد أسابيع من الانتظارية والترقب للاطلاع على الأسماء التي نالت حظوة، بل شرف الانتماء إلى اللائحة الوطنية للنساء (60 امرأة) ولائحة الشباب (30 شابا وشابة)، وتلك التي اختيرت على رأس اللوائح المحلية أو صنفت في مراتب أخرى فيها، كشفت الأحزاب عبر وسائل إعلامها وتصريحات قيادييها، عن نخبتها النسوية، متباهية أحيانا بالتقدم الذي سجلته كما و نوعا، ومزهوة أحيانا أخرى بالمعايير التي اعتمدتها في اختيار الأسماء المشكلة للائحتي التمييز الإيجابي وباقي لوائح الدوائر الانتخابية المحلية (92 دائرة انتخابية).
وفي هذا الإطار سعى حزب الأصالة والمعاصرة إلى خلق المفاجأة والسبق في آن واحد، بعد أن جعل من اللائحتين آلية حقيقية للتمييز الإيجابي، أي نسائية مائة بالمائة. إذ آثر أن تكون لائحة الشباب، على غرار اللائحة الوطنية للنساء، كلها من النساء (30 شابة)، لولا “الإصرار على وجود شاب فيها” حتى لا تخلو من ذكر. 
وحرص الأمين العام لحزب “الجرار”، السيد إلياس العماري أن يبرز هذا “الإنجاز” في ندوة صحفية عقدها في الدار البيضاء، ساعات قبيل انطلاق الحملة الانتخابية، وقال إن حزبه “انتصر للمرأة المغربية ولمستقبل المغرب. انتصر لمقاربة النوع وللمرأة باعتبارها عنصرا أساسيا لقياس الديمقراطية والحداثة والتطور”. وأضاف أن “هذه الخطوة التي أقدم عليها الحزب لأول مرة، ستعرضه لانتقادات واسعة، مبرزا أن الحزب لجأ إلى اختيار “مقصود” يتجلى في “مواجهة نساء لبعض الشيوخ بالعرائش ولأحد السلفيين بمراكش” قبل رفض ملف ترشيحه.
وقد رفع الحزب بخلاف بقية الأحزاب المغربية من عدد وكيلات اللوائح المحلية إلى سبعة (عوض الستة المعلن عنهن في الندوة الصحفية) بعد تغطيته لدائرة وادي الذهب، ورشح سبعة عشرة امرأة في مراتب أخرى متباينة ضمن تلك اللوائح، بالإضافة إلى 60 امرأة في اللائحة الوطنية، ليصل العدد الإجمالي للنساء اللواتي يخضن معركة الانتخابات البرلمانية باسم “الجرار” الى 113 امرأة.
ومن النماذج الحزبية الأخرى التي حاولت أن تمنح المرأة حظوظا أوسع في الاستحقاقات التشريعية الحالية، نذكر فيدرالية اليسار الديمقراطي (تجمع كلا من حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي والمؤتمر الوطني الاتحادي والحزب الاشتراكي الموحد) التي اختارت 108 امرأة لخوض غمار هذه الانتخابات، “جلهن جامعيات”، حسب تصريح عبد السلام العزيز منسق الفيدرالية والأمين العام للمؤتمر الوطني الاتحادي، لوكالة المغرب العربي للأنباء ، 60 منهن في اللائحة الوطنية للنساء (20 عن كل حزب) على رأسهن الأمينة العامة للاشتراكي الموحد، نبيلة منيب، و6 في اللائحة الوطنية للشباب و4 وكيلات لوائح محلية و38 مرشحة في مراتب أخرى ضمن اللوائح المحلية.
ويأتي حزب التقدم والاشتراكية في المرتبة الثالثة بترشيح 103 امرأة في تشريعيات 2016، وقد امتاز بخاصية توزيع لائحة الشباب مناصفة بين النساء والرجال (15/ 15) ليصبح عددهن في اللائحتين الوطنيتين 75 امرأة، تضاف إليهن ست وكيلات لوائح محلية تحتل فيها 22 امرأة مراتب أخرى.
ووقع اختيار الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية على 96 امرأة بين مناضلاته، منهن سبع نساء في لائحة الشباب، يضفن إلى الستين في اللائحة الوطنية، وأربع وكيلات لوائح محلية، و25 امرأة في مراتب أخرى بهذه اللوائح. 
وبلغ عدد المرشحات باسم حزب العدالة والتنمية 89 مرشحة، بينهن أربعة فقط في لائحة الشباب لدعم اللائحة الوطنية المكونة من 60 امرأة، وثلاث وكيلات لوائح معززات ب22 امرأة في مراتب مختلفة باللوائح المحلية.
أما حزب “الاستقلال”، فلم تتضمن لائحة الشباب في مراتبها العشر الأولى، التي تخول المرشحين الوصول إلى البرلمان، أية امرأة، وتم الاكتفاء بالعدد المطلوب في اللائحة الوطنية للنساء (60) معززا ب3 وكيلات لوائح.
وتبقى المشاركة النسائية في تشريعيات 2016، على العموم، متباينة بين الأحزاب المغربية التي أوردناها على سبيل المثال لا الحصر، فباستثناء اللائحة الوطنية للنساء، يلاحظ أن الأحزاب اختلفت في تعاطيها مع لائحة الشباب، إذ حاول الأصالة والمعاصرة التميز بجعلها نسائية مائة بالمائة، في الوقت الذي آثر فيه التقدم والاشتراكية توزيعها مناصفة بين الجنسين، مقابل اختيار الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية لسبع شابات، وفيدرالية اليسار الديمقراطي لستة، والعدالة والتنمية لأربعة، واقتصار الاستقلال على الذكور فقط. 
ولكونها تعتبر آلية للتمييز الإيجابي، يظل التساؤل مطروحا عن مدى احتكام الأحزاب لمعايير شفافة في اختيار الأسماء المستفيدة منها، تساؤل دفع قياديين لتبرير اختياراتهم والقول إنها خضعت لمسطرة معينة ومواصفات متفق بشأنها.
تقول ميلودة حازب، عضو المكتب السياسي للأصالة والمعاصرة، في تصريح لها قبيل انطلاق الحملة الانتخابية، إن الطريقة التي اعتمدها حزبها تعد الأحسن”، لكونها تتسم بالشفافية والوضوح.
وأوضحت أن الحزب “أخذ القرار على نفسه في المجلس الوطني والمكتب السياسي أن يتم اختيار ترتيب النساء وفق ترتيب الجهات في نتائج الانتخابات الجماعية والجهوية، وقد تم ذلك بكل وضوح في جمع عام ضم أكثر من 600 من النساء والشباب.
ومن جهته عبر كريم التاج، المسؤول عن التواصل والعضو بالمكتب السياسي للتقدم والاشتراكية ، في تصريح مماثل للوكالة، عن اعتزاز حزبه بوضع معايير محددة لاختيار المرشحات في لائحتي “التمييز الإيجابي”، حيث أجريت معهن مقابلات “جدية وصارمة أخذت بالحسبان مواصفات الأقدمية الحزبية والمستوى الدراسي والمعارف العامة والإلمام بدور ومهام البرلمان وعلاقة المرشحة بمحيطها وقدرتها على تدبير الشأن العام”.
وأشار إلى أن هذه الآلية التي اعتمدها المغرب، شأنه في ذلك شأن العديد من البلدان، “تبقى آلية مهمة تساعدنا على إعطاء دفعة قوية لتمثيلية النساء والشباب في المؤسسة التشريعية للدخول مستقبلا في منظومة عادية، يتنافس فيها الشباب والنساء بشكل عادي مع باقي المرشحين”. 
وأوضحت فاطمة التامني، (المرشحة الثانية بعد وكيلة اللائحة الوطنية لفيدرالية اليسار الديمقراطي)، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن الأسماء الواردة في اللائحة الوطنية للنساء والشباب باسم الفيدرالية، تم التوافق بشأنها بعد تحديد جملة من المعايير والاحتكام إليها، ” إنها أسماء متميزة لمناضلات في المستوى المطلوب وكفاءات من مستوى عال، لم يخترن الحزب إلا بعد التأكد من دواعي اختياره “، مضيفة، “حزبنا حزب مناضل بالأساس، لا يبيع تزكيات ولا يشتري أصوات، فالمقاعد لم تكن يوما هدفنا، بل هدفنا أن تكون التمثيلية في المستوى المطلوب”.
وقالت إن الأحزاب الثلاثة المكونة للفدرالية قدمت بالتساوي 20 مناضلة في صفوفها لتكوين لائحة وطنية من 60 امرأة، محترمة جملة من المعايير التي ” لم نعمل بها كلغة جامدة وجافة، فكل الطاقات النسائية في الفدرالية تستحق الترشيح في هذه الاستحقاقات التشريعية”.
وإذا كان البعض يرى في اللائحة الوطنية للنساء والشباب خطوة جريئة لضمان حضور نسائي تحت قبة البرلمان، فإن أصواتا أخرى ترى أن الممارسات السلبية لبعض الأحزاب، جعلت منها “ريعا سياسيا”. وآخذتها على “مجانبة الصواب في الاحتكام لآلية ديمقراطية”، معيبة عليها إقحام أقارب من قبيل الزوجة والأبناء. 
تقول وصيفة وكيلة اللائحة الوطنية لنساء حزب العدالة والتنمية، بثينة القروري، في تصريح لها بالمناسبة إن الحزب “اختار مرشحيه وفق معيار الكفاءة”، ملاحظة أن “أحزابا أخرى وضعت لوائحها الوطنية المكونة من النساء بناء على معايير الزبونية والوساطة وأصحاب رؤوس الأموال”.
أما نعيمة الرباع، وكيلة لائحة حزب الاستقلال بدائرة البرنوصي بمدينة الدار البيضاء، (مستشارة في ديوان حكومة عباس الفاسي سابقا وبرلمانية سابقة باسم اللائحة الوطنية للحزب) فتعتقد أن ترشيح قريب لقيادي حزبي ضمن لائحة التمييز الإيجابي، “أمر مقبول إذا كان الشخص المختار يستحق ذلك وتتوفر فيه الكفاءة المطلوبة”. 
نفس الرأي يشاطره كريم التاج قائلا “لا ينبغي معاقبة أو معاتبة ابن فلان أو ابنته لقرابته بقيادي حزبي، يجب فقط الاحتكام إلى منطق الاستحقاق في اختيار المرشح أو المرشحة ضمن اللائحة الوطنية”، وأضاف “يجب الاعتراف أنه لا يزال مطلوبا منا، لاعتبارات إيديولوجية وثقافية، الاشتغال بكيفية إرادية، حتى يمكننا فعلا تعزيز توجه تأنيث وتشبيب المؤسسات للوصول في مرحلة تاريخية أخرى، نتمنى أن تكون قريبة، إلى تحقيق مبدأ المناصفة والمساواة في الحقوق والواجبات بين الجنسين”.
وترى عائشة لبلق، وكيلة اللائحة الوطنية للتقدم والاشتراكية (مستشارة وزير التشغيل في الحكومة المنتهية ولايتها) أن المجتمع المغربي “يعرف تطورا لا يمكن إنكاره على مستوى مشاركة المرأة في الحياة السياسية…لكننا لم نصل بعد إلى الطموحات المرجوة، فحتى في الدول التي نعتبرها متقدمة، لا تزال بها مقاومة. أنا أتحدث عن الأدوار المجتمعية التي تلعبها النساء. إنهن يولين الأهمية قبل كل شيء للعائلة وتربية النشأ”.
وأوضحت في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، ” أن النساء اللواتي استطعن تكوين مسار في السياسة، هن من أنهين مهمة تربية وتكوين أطفالهن قبل التفرغ للمارسة السياسية، ولديهن إحساس مضاعف بالمسؤولية في الحزب وأثناء الممارسة السياسية، إنهن يقمن بعمل من مستوى رفيع”.
أما فاطمة التامني ، العضو أيضا بالمكتب السياسي لحزب المؤتمر الوطني الاتحادي والكاتبة العامة لمنظمة نساء الحزب، فأكدت أن تمكين المرأة من التمثيلية السياسية لا يعتبر مؤشرا من مؤشرات الديمقراطية فحسب ، بل معيارا من معايير الديمقراطية”، ونبهت إلى أن اللائحة الوطنية “لا يمكن اعتبارها لائحة زائدة أو بمثابة كوطا لا ديمقراطية كما يحلو للبعض تسميتها، فجميع الدول تعتمد آليات للتمييز الإيجابي”.
وأوضحت أن المناصفة المنشودة “مسألة ترتبط بالأحزاب كما ترتبط بظروف النساء. فإذا أردنا تشجيع المرأة على المشاركة السياسية، يلزم أولا منحها حقوقها وتطبيق قانون الشغل وتمكينها من ظروف ملائمة للعمل ومساعدتها في تدبير شؤون البيت والأسرة. 
ونبهت المناضلة اليسارية إلى الهدف السامي من تشجيع تمثيلية النساء في المؤسسات المنتخبة، وقالت “ينبغي أن تنعكس مشاركة المرأة في المؤسسات بالإيجاب على المغربيات”، “إن اللواتي دخلن البرلمان عجزن”، في رأيها، “عن تحقيق هذا الهدف”. “كان عليهن الدفاع عن تشريعات تفضي إلى قوانين منصفة وعادلة للمرأة المغربية، للنهوض بأوضاعها الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية “.
وفي انتظار توفر الشروط الكاملة لتحقيق حلم طالما عبرت عنه الحركات النسائية المغربية، يتمثل في العمل بمبدأ المناصفة الحقة، يبقى الاعتراف واجبا بأن آلية التمييز الإيجابي تشكل نقطة ضوء في المعارك الانتخابية التي تشهدها المملكة، باعتبارها أداة تضمن ولوج نخبة من النساء المثقفات والأكاديميات والإعلاميات لمراكز القرار ، خاصة بالنسبة للواتي يتعذر عليهن دخول قبة البرلمان أو مؤسسات أخرى في مجتمع لا تزال فيه العقلية ذكورية.

 

ومع

التعليقات مغلقة.