الفتنة نائمة… – حدث كم

الفتنة نائمة…

+  د. أحــمــد فطــري : أعتقد جازما أننا بحاجة ماسة وملحة وعاجلة، أكثر من أي وقت مضى، إلى تخليق السياسة وتثقيفها، وذلك لأن السياسة المسؤولة هي أخلاق سامية ووطنية صادقة ومواطنة فاعلة وتفان في خدمة الصالح العام أولا وأخيرا

والمسؤول السياسي يتحتم عليه أن يتحلى بالكثير من الذكاء والتعقل والرزانة، والتكوين العميق والتفكير الرصين وبُعد النظر والإخلاص في حب الوطن؛ وذلك عوض الانسياق وراء حماسة التجمعات الخطابية المخدومة، وإطلاق العنان للسان بهتانا بدون رقيب أو حسيب ولا منطق أو ميزان.

أما إذا كان الأمر عكس ذلك فإنه قد يدخل في نطاق المثل العربي المشهور: (كل إناء بما فيه ينضح)، وهو ما لا نريده أن ينطبق على مسؤولينا السياسيين إلا خيراً لا شراً.

 ولأجل ذلك فلا معنى للغة التهديد والوعيد وتحريض فئة من المواطنين على أن يتخطوا العدالة ويلتجئوا إلى أساليب العنف والانتقام بأيديهم من خصومهم السياسيين، لأن في ذلك دعوة صريحة إلى الفوضى المطلقة، ولربما في الأمر كذلك دعوة مبطنة لخلق مليشيات حزبية وإيديولوجية وطائفية لتتصارع فيما بينها، ثم لتتطاحن وتتقاتل لا قدر الله تعالى!!؟؟

وفي مثل هذه الممارسات الخطيرة ضرب واضح للمؤسسات الدستورية، وتشجيع فاضح على فرض سلطة البلطجة، وبالتالي تهديد مباشر للسلم الاجتماعي والاستقرار السياسي الذي تنعم به المملكة؛ خاصة وأن تلك الدعوات النشاز-الصريحة منها والمبطنة- تتزامن مع المجهودات الجبارة التي ما فتئت تبذلها القوى الحية في بلادنا بمختلف مشاربها من أجل استكمال بناء دولة الحق والقانون، التي من مقوماتها الأساسية إقرار حرية الرأي والتعبير، وأن تكون العدالة فوق الجميع ويتساوى أمامها كل المواطنين في نفس الآن !!.

إن ثوابت الأمة المغربية قوية راسخة، وعليها إجماع من المكونات الوطنية لهذه الأمة، ولذلك فلا سبيل للمزايدة بها أو عليها أبداً؛ وحتى إذا كانت هناك ملاحظات وانتقادات في بعض الأحيان فإنها لا تتخطى تلك الثوابت وتبقى في حدود المعقول غالبا.

 

 

 

 

وإذا كنا قد ابتلينا في هذا الوطن العزيز ببعض (القادة) الذين نزلوا بالمظلات على ميدان السياسة، وفي أفواههم ملاعق من ذهب وفضة، دون أن تكون لهم صلة متينة بهذا الميدان، ولا تكوين رصين فيه، ولا التصاق قوي بهموم المواطنين وآلامهم وآمالهم، بل وليس لهم تاريخ نضالي ليعتزوا به ويحافظوا عليه ويخشوا ضياعه؛ فإن على هؤلاء الدخلاء أن يدركوا أنهم واهمون إذا كانوا يعتقدون أن الأموال والجاه والحظوة كفيلة بأن تجعل صاحبها (زعيما)، وتبوئه المكانة المرموقة التي تقوي جشعه من أجل امتلاك السلطة أيضا، عسى أن يحافظ من خلالها على مصالحه الشخصية وينميها، ولو على حساب المصالح العليا للوطن والمواطنين أحيانا.

وعلى هؤلاء(القادة السياسيين) والزعماء الواهمين، الذين لا نقصد منهم شخصا بعينه وإنما نقصدهم جميعا، أن يعلموا جيدا أنهم على ضلال مبين فيما يذهبون إليه، لأن ذاكرة الشعب لا تنسى أبدا، ولأن المواطنين قد أصبحوا على درجة عالية من الوعي السياسي،  الذي يستطيعون من خلاله أن يميزوا بين الصادق والزائف، والذي لن يستطيع معه أي فتَّان انتهازي حاقد أن يلوِّث عقولهم النقية، مهما بلغ من الغنى والجاه والحظوة.

ولهؤلاء نقول: اتقوا الله في هذا الوطن ذي التاريخ العريق الذي يجب أن نعتز به، واتركوا المواطنين البسطاء الشرفاء يعيشون ويتعايشون على أرضه وتحت سمائه باختلافاتهم السياسية والفكرية والطبقية والجهوية، التي تتكامل وتتآلف وتتوالف فيما بينها لتشكل لنا هذا الوطن الجميل الذي ليس لنا غيره والذي نعشقه حتى النخاع.

إن الوطن للجميع، ولذلك يجب أن يكون الإقناع السياسي بلغة الحوار والحجة، وليس بلغة العنف والقوة؛ ويجب أن يعلم من بحاجة إلى ذلك أنه إذا كان هناك (تطرف) ما من قبل البعض أحيانا، فمرده في الغالب إلى إدراك المواطنين أن ثروات البلاد وخيراتها لا توزع بعدل بين الجميع، في الوقت الذي نتخبط فيه في العديد من المشاكل في ميادين التعليم والصحة والتشغيل مثلا

ولذلك على المسؤولين عندنا أن يعملوا بجدٍّ وصدقٍ على محاربة الفساد ومتابعة المفسدين، وعلى إعادة الأمور إلى نصابها الصحيح في هذه الميادين وغيرها، لتعود معها الثقة تدريجيا إلى المواطنين؛ وبعدها لن يبقى هناك مجال للتطرف بكل أشكاله ومختلف مذاهبه.

إذن، حذاري من اللعب بالنار، ولنأخذ الدروس والعبر من معاناة الآخرين، ولنستحضر أمامنا القول المأثور: (الفتنة نائمة لعن الله موقظها)، (والفتنة أشد من القتل) كما ورد في الذكر الحكيم.

+ امين عام حزب الوحدة والديمقراطية

التعليقات مغلقة.