هل يعيد التاريخ نفسه بخصوص “تطبيع العلاقات المغربية الجزايرية ؟ !” – حدث كم

هل يعيد التاريخ نفسه بخصوص “تطبيع العلاقات المغربية الجزايرية ؟ !”

عبد السلام البوسرغيني: عندما أحالنا الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون على أحداث سنة 1989 التي عرفت انفراجا في العلاقات المغربية الجزائرية ، تساءلنا هل سيعيد التاريخ نفسه وبنتيجة أفضل ، خصوصا وأن نزاع الصحراء المغربية، أضحى من القضايا الشائكة التي يحرص المجتمع الدولي على تسويتها لإنهاء مشكل طال أمده ويكلفه غاليا .

ولقد جاءت هذه الإحالة خلال لقاء صحفي عقده يوم ثاني مارس الحالي استمر ساعة وعشرين دقيقة ، ولم يخصص للعلاقات بين المغرب والجزائر سوى دقائق معدودة مع ما يشكله نزاع الصحراء من مشاغل ومخاطر، وجاء حديثه عرضا دون أن يتلقى سؤالا بشأنه ، وكأن الصحفيين المساهمين في اللقاء تلقيا تنبيها بالاحجام عن اثارته ، عكس ما كان يحدث في السابق مع مختلف المسؤولين الجزائريين، الذين كثيرا ما كانوا يتلقون الأسئلة الملغومة ليسهبوا في الحديث بما يفضح تورطهم في خلق النزاع وحرصهم على استمراره

لقد استهل الرئيس عبد المجيد تبون حديثه بالقول : ” إن الجزائر لن تتخلى عن قضية الصحراء الغربية ” ٠ وكان طبيعيا أن يقول ذلك حتى لا يتهم من صقور النظام بالتخلي عن قضية لا يترددون في الإعلان بأنها من قبيل القضايا الوطنية للدولة الجزائرية .

ثم قال : “إن نزاع الصحراء تم الفصل فيه سنة 1989 خلال اجتماع بين الحسن الثاني والعاهل السعودي الملك فهد والرئيس الشاذلي بنجديد ” ، مخبرا بأنه خلال اجتماع هؤلاء القادة على الحدود ” اتفقوا بطلب من الحسن الثاني على أن تبقى قضية الصحراء من صلاحية هيأة الآمم المتحدة ، وأن تعود علاقات البلدين ( المغرب والجزائر ) إلى طبيعتها .

وبعد هذا الاتفاق عادت العلاقات مع المغرب ، لكن سرعان ما “عادت حليمة إلى طبيعتها !، ”  وباستعمال الرئيس تبون لهذا المثل ، يكون قد تجنب إلقاء المسؤولية على أي طرف من طرفي النزاع المغربي أو الجزائري .

وهكذا يبدو أنه ولأول مرة تختفي تلك اللهجة المسيئة للمغرب ، على لسان الرئيس تبون، بعد أن كانت قد تطورت واحتدت الى حد ان المغرب أصبح يوصف من طرف مختلف القادة والسياسيين “بالمحتل والمستعمر”، وأصبح مطالب بقبول تصفية الاستعمار في ما وصفوه بآخرمستعمرة في افريقيا ،وأصبح قادة المؤسسة العسكرية الجزايرية يصفون المغرب بالعدوالكلاسيكي للجزائر .

وللمرء أن يتساءل كيف يمكن للرئيس تبون، تجاوز هذه النظرة إذا كان بالفعل يميل إلى فتح صفحة جديدة في العلاقات مع المغرب على غرار ما حدث سنة 1989 ؟ ، كذلك كيف يمكن لتصريحاته ان تغير من غلواء دهاقنة الجيش الجزائري ، وقد جاءت بعد يوم واحد فقط من نشرهم لبلاغ تهجم على المغرب دون مبرر في سياق نفيهم لمشاركة الجيش الجزائري في الحرب على الإرهاب في الساحل الصحراوي ؟، كما أعلن عنها الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون الذي أشار كذلك لمشاركة المغرب !، رغم ذلك التكذيب أعلن الرئيس تبون عن مشاركة الجزاير بواسطة الرادارات فقط مع القوات الإفريقية والفرنسية .

إن ما تناقلته الأخبار أخيرا ، يكشف عن تناقض بين تصريحات الرئيس تبون ومواقف قادة الجيش ،وفي هذا الظرف بالذات حيث تواجه الجزائر أوضاعا سياسية حرجة وأزمات اقتصادية مستعصية ، وإن ما يبعث على الانزعاج كون الأخبار الواردة من الجزائر تفيد بوجود صراع بين أقطاب الأجهزة الحاكمة ، واحتمال أن يكون الرئيس عبد المجيد تبون ضمن أفراد الحلقة الضعيفة في الصراع ،حتى ولو كان الدستور والأعراف تجعل منه قائدا للبلاد .

ومن هنا يمكن للملاحظ أن يتساءل ما الذي دفع بالسيد نور الدين بوكروح ، وهو وزير سابق واحد السياسيين المرموقين ، أن يقول صراحة لوسائل الاتصال بالحرف : ” إن الرئيس عبد المجيد تبون سينتهي إما بالاغتيال أو بالإقالة ” ! وهو إذ يقول ذلك يذكرنا بما حدث للرئيس محمد بوضياف الذي أغتيل على مرأى ومسمع من الناس وبحضور مساعديه وحراسه ، بعد أن اوتي به خلفا للرئيس الأمين زروال الذي أرغم على الاستقالة سنة 1992 .

وقد جاء تنبؤ السيد بوكروح في وقت عاد فيه الجنرال المتقاعد خالد نزار إلى. الجزايرمن المنفى بمقتضى صفقة سرية مشبوهة ومحبوكة لينخرط في المعارك السياسية بعد تبرئته من تهمة التآمر التي حكم عليه بمقتضاها بعشرين سنة سجنا ، ويحتمل أن يتحالف مع رييس المخابرات السابق الجنرال توفيق مدين، الذي كان فد خلف قصدي مرباح الرجل الذي ظل لفترة هامة من تاريخ الجزائر متحكما في دواليب المخابرات منذعهد الرئيس بومدين ، وكلا الرجلين من العناصر المشبوهة التي ساهمت في الأحداث الخطيرةوالدامية التي عاشتها الجزائرفي ظل تحكم المؤسسة العسكرية في دواليب الدولة .

وبعد ، فمهما تكن ردود الفعل على ما صرح به الرئيس عبد المجيد تبون ، فان ميله طبقا لما يستشف من آقواله ، إلى فتح كوة في النفق المظلم الذي توجد فيه العلاقات المغربية الجزايرية سيكون في صالح الجزائرأولا وقبل كل شيء ، لأنه قد يفتح أمامها السبيل للتخلص من نزاع أريد له أن يكون وسيلة لتحقيق حلم تبخر مع مرور السنين وتعاقب الانتكاسات التي كان آخرها طرد “البوليساريو” من منطقة الكركرات ، وتأمين معبرها الذي تعاظمت أهميته الأستراتيجية بالنسبة لإفريقيا وأروبا معا، وأيضا نتيجة أعتراف الولايات المتحدة الآمريكية بسيادة المغرب على أقاليمه في الصحراء المغربية الأطلسية.

وكما تؤكد الأحداث، فقد أصبحت الجزائر في حاجة لمن يساعدها أوعلى الأقل لمن يرشدها الى حل نزاع خلقه قادتها ولا يعرفون كيف يتخلصون منه !، والمغرب وهو يدعو قادتها للحوار،  إنما يفعل ذلك من أجل أن يساعدهم على تلمس سبل التسوية ليتفرغوا لمواجهة ما يعترض بلادهم من مشاكل ومعضلات !.

 

التعليقات مغلقة.