النص الكامل لكلمة السيد محمد عبدالنباوي بمناسبة الذكرى السنوية لإقرار الإعلان العالمي لحقوق الإنسان – حدث كم

النص الكامل لكلمة السيد محمد عبدالنباوي بمناسبة الذكرى السنوية لإقرار الإعلان العالمي لحقوق الإنسان

تخليدا للذكرى السنوية لإقرار الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي يصادف العاشر من دجنبر من كل سنة، القى الرئيس الأول لمحكمة النقض الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية السيد محمد عبدالنباوي كلمة بالمناسبة فيما يلي نصها :

 حضرات السيدات والسادة

يخلد المجتمع الدولي في هذا اليوم الذكرى السنوية لإقرار الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الحدث الذي شكل علامة بارزة في تاريخ البشرية. فعلى الرغم من مضي ثلاث وسبعين سنة على صدوره، فإنه ما يزال يعتبر مرجعاً كونياً  أساسياً لحقوق الإنسان تهتدي به الشعوب لحماية الحقوق والحريات الأساسية.

وقد جرت العادة على جعل هذه الذكرى الحافلة بالدلالات والمعاني، مناسبة للوقوف على الإنجازات التي حققتها الدول في مجال حقوق الإنسان. وبهذه المناسبة تسعد السلطة القضائية بدورها بالاحتفال بمرور سنة على إطلاق مشروع حقوقي طموح، اعتمد في إطار الإرادة الصادقة للمملكة. للوفاء بالتزاماتها الدولية وانسجاماً مع توجيهات جلالة الملك محمد السادس حفظه الله، الرامية إلى بناء دولة الحق والقانون والمؤسسات، وحماية الحقوق والحريات، وعناية جلالته بإقامة سلطة قضائية مستقلة، ومؤهلة فكرياً ومادياً ومعنوياً للاضطلاع بمهامها. وكذلك تفاعلا مع توصيات الآليات والهيآت الدولية المتعلقة بنشر ثقافة حقوق الإنسان وتعزيز قدرات العاملين على إنفاذ القانون، ومن بينهم القضاة، في هذا المجال، من خلال التعريف بالإطار الدولي لحماية حقوق الإنسان والنهوض بها، ولا سيما الشِرْعَة الدولية وغيرِها من الاتفاقيات الأساسية، التي تشكل النواة الصلبة لهذه الحقوق. وكذلك التعريف بالهيئات الأساسية المكلفة بتتبع تنفيذ مقتضيات تلك الاتفاقيات، ومكانة البلاغات الفردية ومعالجتها في نظام الأمم المتحدة لحقوق الإنسان.

وهي مناسبة للتنويه بهذه المبادرة الرائدة التي أطلقتها رئاسة النيابة العامة في مثل هذا اليوم من السنة الماضية لفائدة قضاة النيابة العامة. قبل أن ينضمَّ إليهم زملاؤهم من قضاة الحكم في شهر أبريل من السنة الجارية. وهو ما سمح، لحد الآن، باستفادة 950 قاضياً وإطاراً من المرحلة الأولى للتكوينات المتخصصة في حقوق الإنسان. كان من بينهم 497 قاضياً للنيابة العامة، و110 من قضاة وأطر رئاسة النيابة العامة. و222 من قضاة الحكم، و10 من قضاة وأطر المجلس الأعلى للسلطة القضائية. فضلاً عن 108 من الأطر المنتمية لقطاعات أخرى. وذلك عَبر سبع دورات، أطرها خبراء مغاربة من مستوى عالٍ، من بينهم كفاءات وطنية عاملة في مجال حقوق الإنسان في إطار منظمة الأمم المتحدة، وفي القضاء والجامعة وبمؤسسات أخرى معنية بحقوق الإنسان.

 وها نحن نسعد اليوم بالعودة إلى هذه القاعة التاريخية، التي شهدت انطلاقة هذه الدورات التكوينية المفيدة. كما عرفت قبل ذلك ميلاد رئاسة النيابة العامة وتسليم السلط من وزير العدل إلى الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض بصفته رئيساً للنيابة العامة. لنسعد بانطلاقة المرحلة الثانية من هذه الدورات التكوينية، والتي ستخصص حلقاتها الأولى لفائدة المسؤولين القضائيين على محاكم المملكة.

 وهكذا تلاحظون حضرات السيدات والسادة، أن الاهتمام بحقوق الإنسان أصبح ثقافة قضائية ببلدنا، تسعى من خلاله مؤسسات السلطة القضائية، إلى تعميق مدارك القضاة، وتقوية قدراتهم وتأهيلهم لامتلاك المؤهلات القانونية والمهارات الفكرية اللازمة للتطبيق السليم للنصوص القانونية الحامية للحقوق والحريات، والمنظمة لإجراءات البحث والتحقيق والتقاضي، بما يتلاءم مع الممارسات الدولية والمفهوم الكوني لحقوق الإنسان.

وهي مناسبة للتنويه بالجدية، والاهتمام والحرص الذين أبَان عنهم القضاة والأطر المستفيدون من هذه الدورات، التي تَحَدَّت إكراهات كوفيد خلال الأوقات العصيبة للجائحة، ووصلت إلى المستفيدين عن بُعد.

كما أجدها مناسبة سانحة لتقديم الشكر والامتنان لكافة الأساتذة الذين أطروا هذه الدورات، وللأطر الذين سهروا على إنجازها وتتبعها. والذين يقدمون لنا اليوم مؤلفاً رائعاً تم بمقتضاه تجميع المحاضرات والدروس التي تم إلقاؤها خلال المرحلة السابقة من هذا التكوين.

    حضرات السيدات والسادة الأفاضل؛

إن تنظيم هذه الدورات التكوينية للرفع من قدرات القضاة في مجال حقوق الإنسان، ليس هدفاً في حد ذاته، ولكنه مجرد وسيلة لحماية تلك الحقوق. تلك الحماية التي أناطها الفَضل 117 من الدستور بالقضاة وجعلهم أمناء عليها. وهو كذلك مفتاح للتعرف على التجارب والممارسات الدولية المتعلقة بالحقوق الأساسية للأفراد والجماعات وفي مقدمتها الحق في المحاكمة العادلة، ومنع الاعتقال التعسفي و مناهضة التعذيب والمعاملة القاسية أو المهينة والاختفاء القسري. بالإضافة إلى حماية الفئات الهشة كالأطفال والمهاجرين، وحماية المرأة.

 وإذا كان المغرب قد عمد إلى دسترة مختلف حقوق الإنسان، وأعطاها مقاماً قانونياً مرموقاً. كما نص عليها ونظمها ضمن قوانين جوهرية أخرى كقانون المسطرة الجنائية، فإن المعول عليه من التكوينات التي سيسْتفيد منها القضاة في المرحلة المقبلة إن شاء الله، هو الانفتاح على الممارسات الدولية واجتهادات آليات الأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان ولاسيما اللجن وفرق العمل الأممية المعنية بمناهضة التعذيب والاعتقال التعسفي والاختفاء القسري وغيرها.

وفي هذا الإطار أجدني ممتنا للاتحاد الأروبي ولمجلس أروبا، اللذين أصبحا، منذ منتصف هذه السنة، شريكين لرئاسة النيابة العامة في تنظيم هذه الدورات. وهو ما سيمكننا من الاستفادة من معارف وتجارب خبراء دوليين متخصصين في المجالات التي سيتدخلون فيها حضورياً أو عن بعد. ويسرني أن أعبر لهؤلاء الخبراء عن عميق التقدير وجزيل الامتنان، شاكراً لهم مساهمتهم.

كما أرجو لقضاتنا الأجلاء استفادة نافعة من هذا التكوين، وأدعوهم إلى الإقبال عليه بنفس الحماس، وبذات الاهتمام الذي عرفته الدورات السابقة. والله الموفق.

 السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

التعليقات مغلقة.