الحُرّيّات! – حدث كم

الحُرّيّات!

أحمد إفزارن

■ جَوهَرَةٌ هي الحُرّيّات۔۔
ومِن أبرَزِ ما فيها – إعلاميّا –  “حُرّيةُ التّعبِير”..
وهذه مَكسَبٌ لِمَسارِنا إلی غَدٍ أفضَل۔۔
وصِيانتُها مَسٶوليتُنا فُرادَی وجَماعات۔۔
ومَصلَحتُنا تَقتَضِي أن نَحمِيّ هذه الحُرّياتِ لكي نستَفيدَ منها ونُفِيد، ونكُونَ في خدمةِ مَصالحِنا الأخلاقيّة، ومِن ثَمّةَ في تَطوِيرِ حَياتِنا المُشتَرَكة۔۔
وحُرّياتُنا، بهذه القِيّم التّعايُشيّةِ الاجتماعيّةِ الإنسانية، هي وِقَايَةٌ وحُضنٌ لنا في كَنَفِ الوَطَنِ۔۔ وَأَمَانٌ وطُمَأنينةٌ وجِدّيةٌ في رُٶيتِنا إلی الغَد۔۔
وهذه من أبعادِ حُرّياتِنا التي تُشكّلُ ثَروةً أخلاقية۔۔
إذا خَدَمنَاها، هي تَسهرُ علی خِدمَتِنا وسَلامةِ أجيَالِنا الحاليةِ والقادِمة۔۔
وفي حُرّياتِنا هذه، نجدُ أيضًا الضّمِيرَ المِهني۔۔
وكذا: المُعتَقَد، والتّفكِير۔۔ ومعَها اختيارُ شرِيكِ العُمر۔۔۔ وغيرُ هذه من الحُرّيات۔۔۔ وكُلُّها مِنْ حقُوقِ الإنسان۔۔
■ ومِنَ الحُرّيات: اختِيّارُ الجِنْسِ الآخَر الذي مَعهُ تُبنَی عَلاقةٌ أُسَرِيّةٌ في مَسِيرةِ حياة۔۔ ويكُونُ كلُّ جِنسٍ حُرًّا في انتِقاءِ شريكِ العُمر، في تَفاهُمٍ وتَسَاوٍ وتكامُلٍ بين المرأةِ والرّجُل۔۔
• ومنَ الحُرّياتِ أيضًا، أن يكُونَ للمَرءِ رأيٌ مُستِقلٌّ عن الغَير، وليسَ تابِعًا۔۔
وأنْ تكُونَ الحُرّيةُ نابِعةً منَ الذّات، ومِن قناعةٍ شخصيّة۔۔
وفي هذا السّياق، نُشِرَت كِتابات، وبُثَّت بَرامِجُ سَمعيّةٌ بصَريّة۔۔ والآراءُ مُتَنوّعة۔۔
• والمَفرُوضُ أن تكُونَ الحُرّيةُ ناضِجةً مُتَعَقّلةً مَسٶُولة۔۔
إنّها مَسٶوليةٌ قد تَسِيرُ بنا في اتّجاهٍ أو اَخَر۔۔ إلی الأمامِ أو الخَلف، حَسَب طَريقةِ التّعامُلِ بِهذه الحُرّية۔۔
■ ومِن أبرَزِ الحُرّياتِ “حُرّيةُ التّعبِير” التي تجِدُ نَفسَها بينَ السِّندَانِ السّياسِي، والمِطرَقةِ الحُقُوقيّة۔۔ 
“حُرّيةُ التّعبِير” تُنِمُّ عن مدَی وَعْيِ مُٶسَساتِنا، مِنَ الفَردِ إلی الأُسرةِ فالمُجتَمعِ والتّعليمِ وقِطاعاتٍ أُُخری۔۔۔
إذا استَقامَت “حُرّيةُ التّعبِير”، انتَشرَ معَها الوَعيُ الوَطنيّ بالحُقوقِ والواجبات، وتَحَسّنَ السّلوكُ الفردِيُّ والعُمُومي۔۔
فأينَ نَحنُ في هذه الحُرّية التي تُعتَبرُ دَوليًّا مِن صُلبِ حُقوقِ الانسان؟
إذا تَعقّلَت الحُرّية، وسارَت في الطريقِ السّليم، أدركَ الناسُ ما لَهُم وما عَلَيهِم۔۔
ومَهما كانت الأحوال، “حُرّيةُ التّعبِير” ذاتُ قيمةٍ إنسانيّة۔۔
• والفصلُ 25 منَ الدّستُور المغربي، يَعتَبِرٰ أنّ “حُريةَ الفِكرِ والرّأي والتّعبِير مَكْفُولةٌ بكُلّ أشكالِها”۔۔
وهذا وارِدٌ بصيغةٍ أُخرَی في المادّة 19 منَ “العَهد الدّولي للحُقوق المدَنية والسياسية”، وهو إطارٌ قانونيُّ دَولِيّ ينصُّ علی أنّ “لِكُلّ إنسانٍ الحقّ في حُريّة التّعبِير”۔۔
■ وفي “حُريّةِ التّعبِير” قراءات۔۔
القِراءاتُ تَختَلِفُ – أحيانًا – بينَ النصّ القانُونِيّ والمُمارَسةِ المِهنيّة۔۔
ونتِيجةً لهذا، تَعتَبِرُ تقارِيرُ حُقُوقيةٌ أنّ تَنزِيلَ النّصّ تُفتَرَضُ فيهِ “الحِمايةُ القانُونية” التي تَهدِفُ ألاّ يَكُونَ النصُّ حِبرًا علی ورَق، وألاّ تَحدُثَ اعتِقالاتٌ تعسُّفيةٌ لنُشَطَاءَ حُقوقيّين وإعلامِيّين۔۔
• والاختِلافُ بينَ النّصّ والمُمارَسة، قد يَكمُن في قِراءَتيْنِ لمادّةٍ واحِدةٍ هي “حُريةُ التّعبِير”: قِراءةٌ حُكوميّةٌ قد تَری في بعضِ ما يُنشَرُ خَرقًا للقَانُون، ويَستَوجِبُ المُتابَعة، وقراءةٌ أُخرَی ترَی في الاعتِقالاتِ سُلُوكًا تَعسُّفِيّا۔۔
• والخارِطةُ العالَمِيّةُ نفسُها ذاتُ اتّجاهيْن: دُولٌ قَوانينُها تنُصُّ علی أنّ الحُريةَ مَكفُولةٌ عِندَها، كما هي عِندَنا أيضًا، بقُوةِ الدّستُور۔۔ وأُخرَی تَشتَرطُ عَدَمَ تجاوُزِ هذهِ الحُرية لِنُصُوصِها القانُونيّة۔۔
■ وبالنّظرِ إلی الخارِطة، نَظَريًّا، نَجِدُ الكُرةَ الأرضيّةَ مُنقَسِمةً حولَ “حُرّية التّعبِير” التي تُدافِعُ عنها القَوانينُ والدّسَاتِير۔۔ بينَما في الواقع، قد تَتعرّضُ لِما يُسْمِيه حُقوقيّون اضطِهادًا وتَعسُّفًا۔۔
• لماذا الحٌرّيةُ إمّا مَحدُودة؟ أو مُكبَّلة؟ أو هي “حُرّيةٌ مُطلَقَة”؟
• وما “حُريةُ التّعبِير” المُطلَقَة؟ هل مُطلَقَةُ اليَديْن؟ إنّ ما هو مُتّفَقٌ علَيه، يتَحَدّدُ في كَونِ هذه الحُريةِ إمّا سلبياتٍ أو ايجابيّات۔۔
• بعضُ النّزاعاتِ الحُكومية مع الصّحافة – عِندَنا – انتَهت باعتِقالِ صحافيّين، وحُقُوقيّين، ولم تَشفَع “حُريةُ التّعبير” المَنصُوص عليها بالدّستور، في إنقاذِهِم منَ الحَبس۔۔
وهُنا قد يَتدَخّلُ تَفسِيرَانِ لنَفسِ “حُريةِ التّعبِير”۔۔
• أحَدُ الطّرَفيْن المُتنازِعيْن يَعتبرُ هذه “الحُريةَ” حقًّا مَشرُوعا، والآخَرُ يَری فيها اضطِهادًا۔۔
• ألاَ تستَحِقّ “حُريةُ التّعبِير” وقفةَ تأمُّل؟ ومُلاءَمةً قانُونيّة؟
ومُراجعةً قانُونيةً تُشَكّلُ في ذاتِها حِمايةً لحُقوقِ الانسان مِن أيّ تَجاوُز، مع إعادةِ النّظر في تفسِيرِ “حُرّيةِ التّعبِير” بين حالِها النّظَرِي ووَاقعِها التّطبِيقِيّ!
• إذا تمّت مُراجَعةُ النّصّ القانُونِي، تَسَنّت أيضًا مُراجَعةُ “حُريةِ التّعبِير” نَفسِها۔۔
ولا يَجُوزُ أن تكُونَ “حُريةُ التّعبِير”، مِنْ شاكِلةِ “الإرهَاب”، بدُونِ تعريفٍ عالَمِيّ۔۔
ومِن أجلِ تعريفٍ دَوليّ مُشترَك، هذه إطلالةٌ علی إيجابياتٍ وسَلبيَات۔۔
وفي سيّاقِ الإيجابيّات: لا وُجُودَ لحُرّيةٍ مُطْلَقَة۔۔
■ ومِنَ الإيجابيّاتِ المُتَداوَلة:
“حُريةُ التّعبِير” ليست مُطْلَقَة، لا عِندَنا ولا عِندَ غَيرِنا۔۔
• ومِن إيجابيّاتِها أيضًا: إصلاحُ المُجتَمع، والمُحافظةُ على أمنِه واستقراره۔۔ وحمايةُ الناسِ من تأثير مَصالِحَ خاصة۔۔  الحمايةُ منَ العُنف۔۔ التّبادلُ الحُرّ للأفكار۔۔ الكشفُ عن الأنشطةِ اللاّقانُونية، واللاّأخلاقية۔۔ التّغيِيرُ السّلمِيّ للمُجتَمع.۔ نشرُ المَعرِفة۔۔ تَوعِيّةُ وإصلاحُ المُجتَمع۔۔ حَلّٰ المَشاكلِ الاجتِماعية بشكلٍ سِلمِي۔۔
• ومِنَ السّلبياتِ التي قد تنعكِسُ علی المُجتَمع: التّحريضُ على التّعصُّب، والكراهيّة، والعُنصُرية، والإشاعة، والتّشهير، والعُنف۔۔۔ إساءاتٌ لَفظيةٌ ولاأخلاقية۔۔ رَفضُ الرّأيِ الآخَر۔۔ أخبارٌ ومَعلوماتٌ كاذِبة۔۔ الفِتنةُ بين الناس۔۔ غيابُ التّوعيّةِ الاجتِماعيةِ الرّصِينة۔۔
■ وبهذه الرسالةِ الإعلاميّة، والفعَاليةِ المَسٶولَة، يَتسنّی للإعلامِ أنْ يُكافِحَ الفَسادَ بضمِيرٍ مِهنِيّ قِوامُهُ الرّوحُ الوَطنيّة، تحت أضواءِ دَولةِ الدّيمُقراطيّة۔۔
وفي أجواءِ هذا الطّمُوحِ المُتطلّعِ إلی مزيدٍ مِنَ التّطوُّر، لا مَكانَ في بلادِنا لِمَنعِ أيٍّ كان، منَ التّعبِيرِ عَن آرائِه وأفكارِه، عِلمًا بأنْ لا دَولة حُقوقيّة تَحرِمُ أحدًا من حقّ التّعبير، في إطارِ حُدُودِها القانُونيّة.۔
• الحُريةُ المُبالَغُ فيها قد تعنِي اللاّمُبالاة، وفي هذه الحالة تُثيرُ الفوضَى وتُشوّهُ سُمعةَ بعضِ الناس، وتُسیءُ إلی الأمنِ العُمومي، وتَنشُرُ أخبارًا كاذِبة۔۔
وهذا التَّوجُّهُ يقُودُ إلی انحرافٍ لحُريةِ النّقد، عِلمًا بأن حُريةَ الانتِقاد يجبُ ألاّ تعنِي إلاّ انتقادَ الرأي، وليس فَرضَ رأيٍ علی الغير۔۔ ولا انتقادَ للشخصِ في ذاتِه۔۔
• فَرقٌ بين رأيٍ في مَقال، علی سبيل المِثال، والخَوضِ في الحياةِ الشخصية لكاتبِ الرّأي۔۔ النقدُ للفِكرة، لا للحياةِ الفرديّة۔۔
■ وحُريةٌ أُخری تُثيرُ القَلق، في بعض الحالات، وهي حُريةُ التّنقُّلِ من مكانٍ إلى آخر.۔ مِن حقّ المرءِ أن يَتنقّل من مكانٍ عُموميّ لآخَر، في سياق ما يَسمح به القانون، حيث أنّ  الأماكِنَ العمومية ليست أماكنَ شَخصيّة۔۔
■ ونمُوذَجٌ آخرُ للحُرّيات: “حُرّيةُ العقِيدة”۔۔ فأنْ يَعتَقِدَ شَخصٌ ما يُٶمِنُ به، هذا لا يُخوّلهُ إكراهَ غيرِه على اعتناقِ عقيدتِه۔۔ الإكراهُ جريمةٌ في حقّ الاعتقاد۔۔ والقُرآنُ يقُول: “لا إكراهَ في الدّين”۔۔
• إنّ الحُريةَ تَجعَلُ الإنسانَ يَنتَقِدُ سَلبياتٍ من أجل تصحِيحِها، ولا يعنِي الدّفعَ بالنّاس من ظلام إلی ظلام، بل يَعنِي نشرَ وَعيٍ اجتِماعيّ تسُودُه أضواءُ المَعرفةِ البنّاءة۔۔
■ “حُريةُ التّعبِير” مُٶشرٌ لِسُلوكٍ حَضارِيّ في الدّاخلِ ومعَ الخارج۔۔ وبِلادُنا أحوَجُ ما تَكُونُ إلی بِيٸةٍ تَسمَحُ بإعلامٍ تَعدُّدِيّ انفِتاحِيّ، مَحْمِيّ بقَرارٍ سيّاسيّ، وتسيِيجٍ قانُونِيّ، وإرادةٍ تنفِيذيّةٍ للحُقوقِ والواجبات۔۔
وإلی هذا: التِزامٌ لِلْمِهنِيّينَ بمَعايِيرَ أخلاقيةٍ مُستَمَدّةٍ مِن شرَفِ وقانُونِ المِهنَة۔۔
• وتَبقَی هذه الباقةُ التّواصُليّة، هي “حُرّيةُ التّعبير” التي نتمَنّاها لبِلادِنا مسٶولةً في مُمارسَاتِها، ولجَمهُورِها منَ القُرّاء والمستَمِعين والمُشاهِدِين۔۔
■ واليوم، ونحنُ بصَددِ تخلِيقِ هذه المِهنة، نجِدُ أنفُسَنا شُركاءَ في المِصداقيّة، ونُقدّمُ رسالةَ التّوعيةِ الاجتِماعيّة، في ضوءِ شفافيةِ المَعلُوماتِ والآراء، مُتَفاعِلِين في نِقاشٍ شُمُوليّ يَهدفُ لتطوِيرِ “حُرّيةِ التّعبِير” التي تُقدِّمُ صُورةً مُثْلَی عن طُمُوحِنا المُشتَرَك، إلی مَزيدٍ من أوراشِ الرأي  والرأيِ الآخَر، والمَوقفِ والمَوقفِ المُختَلِف۔۔
■ ولا نِسيانَ لحُرّيةٍ أُخرٓی يُطلَقُ عليها: “حُرّيةُ الضّمير”۔۔
وفيها قِيّمٌ أخلاقيةٌ تٌراقِبُ ما هو خاطِٸٌ وصَحيحٌ في سلوكِ الفرد۔۔
والضّميرُ يَضبِطُ النّزاهةَ والأمانةَ وكيفيةَ اشتغالِ السّلامِ الداخلِيّ الذي يُدِيرُه في حياةِ الفردِ نَقاٶُهُ وَصفاٶُهُ الضّميرِيّ۔۔
وعِندَها يُحسِنُ الضّميرُ تحريكَ حُرّيةِ التّصرّف، وبأمانة، مع شٶون الحياةِ اليوميّة۔۔
• وفي هذه الأجوَاء، تَنبُعُ باقاتٌ من حُرّياتِنا التّعبيريّة، وفيها تدَخُّلاتُ الضّمير، وتَتَمَيّزٰ بأورَاشٍ فِكريّةٍ تُوَحِّدُنا في فَضاءاتٍ منَ الحُريةِ المَسٶولة۔۔ ومعًا نَندَمِجُ في أحضَانِ استِقرارِنا الآمِنِ البَنّاء!
• وترَی فِينَا “حُرّيةُ التّعبِير” نمُوذَجًا لِفُسَيفِساءَ اجتِماعيّةٍ تُمارِسُ حَقَّ الاختِلاف، بإيجابيّةٍ وتَعايُشٍ مُنْجَذِبٍ إلَی إشراقاتٍ مُشمِسَةٍ جَدِيدة۔۔
[email protected]

 

 

التعليقات مغلقة.