اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة : هل يؤسس فهم سيكولوجية المعن ف والمعن فة لتدابير تسد عجز القوانين؟ – حدث كم

اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة : هل يؤسس فهم سيكولوجية المعن ف والمعن فة لتدابير تسد عجز القوانين؟

حسنى أفاينو: جفت الأقلام في وصفها وتمجيد مكانتها، وبحت الأصوات في التغني بمحاسنها وذكر مرارة طعم الحياة بدونها؟ بل ألبست الملائكة والآلهة ثوب التأنيث لأجلها .. ثم بعد كل هذا تعنف؟ وقد توارى الثرى تحمل معها ندوب اللؤم والألم. أي سيكولوجية هذه التي تحب المرأة وتعنفها في الآن ذاته، وتطلب ودها وتقتلها .. والقتل ألوان؟

المرأة .. التي قيل عنها إنها نصف المجتمع وتداركوا فقالوا بل هي المجتمع كله .. هي النصف الأول والثاني تربيه. واستأثرت قضيتها باهتمام المجتمع الكوني واستنفرت لأجلها هيئات ومنظمات أممية وقطرية وأصدرت لحماية حقوقها ترسانات قانونية تجرم تعنيفها … وخصص لها يوم دولي (25 نونبر من كل سنة) وأيام محلية كمحطات للتوعية والتعبئة ضد انتهاك حقوقها، وبذلت جهود في هذا الباب ولا تزال .. لتأتي الأرقام والتقارير الأممية المتوالية صادمة تكشف حجم ظاهرة العنف ضد النساء في العالم أثناء السلم كما في الحرب، ولم تشفع لها الحداثة ولا قلاعها في أوروبا والدول الغربية عامة في تحقيق الاستثناء.

وتشير التقديرات العالمية التي نشرتها منظمة الصحة العالمية إلى أن واحدة من كل 3 نساء في أنحاء العالم (35 في المائة) تعرضن للعنف على يد شركائهن الحميمين أو للعنف الجنسي على يد غير الشركاء، وأن 30 في المائة من النساء المرتبطات بعلاقة مع شريك يتعرضن لشكل من أشكال العنف الجسدي أو الجنسي، وأن 38 في المائة من جرائم قتل النساء على الصعيد العالمي يرتكبها شركاء حميمون.

وتصدرت القائمة كل من ألمانيا وفرنسا والسويد وبلجيكا، وكشفت المسوحات الاستقصائية المنجزة أن 6 من كل 10 نساء معنفات، لا يخبرن أي جهة عن تعرضهن للعنف، فيما يبوح الباقي بالأمر للعائلة والأصدقاء وليس للشرطة. وتزيد حالات النزاع والحروب، والأوضاع التي تعقبها من تفاقم العنف الممارس ضد المرأة.

وهذه الأرقام الصادمة، وإن كانت لا تعكس الحقيقة كما هي بسبب ندرة الإحصاءات الدقيقة المحيطة بوقائع العنف المرير ضد المرأة في العالم، تؤشر على وضع خطير يبعث على التساؤل حول حدود المقاربة الحقوقية والزجرية في معالجة هذه المعضلة العالمية؟ هذا الانتهاك الحقوقي المقيت العابر للحدود الذي يجتاح المجتمعات “الحداثية” و”النامية” و”المتخلفة” على حد سواء، ويستهدف المرأة في كل مكان بغض النظر عن دينها أو عرقها أو ثقافتها أو موقعها الاجتماعي .. لا لذنب سوى أنها ولدت أنثى!

ويعد العنف ضد المرأة أحد تجليات علاقة غير متكافئة بين الرجل والمرأة عبر التاريخ أدت إلى هيمنة الرجل على المرأة وممارسته التمييز ضدها، وتحول مع الزمن إلى موروث ثقافي إنساني مطبوع بالهيمنة الذكورية، وأعطى الرجل مكانة مركزية في المجتمع قادت إلى تشكل تمثل مجتمعي يضع المرأة في منزلة أقل من الرجل إلى حد تشييئها واعتبارها بضاعة قابلة للتملك والتصرف، ما أدى إلى إنتاج منظومة من القوانين والتشريعات والسياسات والممارسات التمييزية كنوع من “العنف السياسي” الذي يمهد لكل أشكال العنف الأخرى، بل وتأويل النصوص الدينية بما يخدم هذه الهيمنة، وبالتالي إعطاء المشروعية المجتمعية للعنف تجاه المرأة.

وقد يقول قائل إذا كان ارتفاع نسب العنف ضد المرأة في المجتمعات المتخلفة والنامية يعزى في مجمله إلى الأمية وتدني مستويي التعليم والوعي والموروثات الثقافية المؤطرة المنتقصة من المرأة لصالح الرجل إلى جانب البطالة والحروب، فلماذا ترتفع هذه النسب في الدول المتقدمة؟ وهي دول ما فتئت تبذل جهودا حثيثة على المستويات القانونية والتحسيسية من أجل الرفع من مستوى الوعي لدى المرأة بحقوقها وبكينونتها وبقيمتها داخل المجتمع!

سؤال تجيب عنه الأستاذة بشرى المرابطي، معالجة نفسية وباحثة في علم النفس الاجتماعي وفاعلة في العمل النسائي، بالقول إن الأمر يعود لعدة أسباب أولها ارتفاع نسب التبليغ عن العنف الممارس ضد المرأة بفضل جهود هذه الدول في مجال التوعية وتعزيز ثقافة حقوق الإنسان بشكل عام وحقوق المرأة بشكل خاص، مشيرة إلى أنه لو تحررت النساء المغربيات اللواتي يتعرضن للعنف من الثقافة السائدة المكرسة للنظرة الدونية للمرأة وقبلن بالبوح وقمن بالتبليغ عن العنف الممارس ضدهن “لكانت الأرقام جد مهولة”.

والسبب الثاني، تقول الباحثة في علم النفس الاجتماعي، يعود إلى وجود بنيات نفسية معنفة داخل المجتمعات ككل كعامل قار عبر التاريخ، ما يجعل نسبة كبيرة جدا من العنف الزوجي أو العنف داخل الأسرة ناتجة بالأساس عن أبعاد نفسية.

وحول ما إذا كانت المقاربة السيكولوجية (فهم سيكولوجية المعن ف والمعن فة) كفيلة ببلورة تدابير ناجعة لسد عجز المقاربة القانونية في معالجة معضلة العنف ضد المرأة، أوضحت السيدة المرابطي أن التجارب الدولية والأوروبية منها على وجه الخصوص حول السمات النفسية للمعنف، أثبتت نجاعتها حيث مكنت المجتمع من تكثيف البرامج الإعلامية والوصلات التحسيسية في المجال وعبر مختلف الوسائط المعتمدة، إضافة إلى تأهيل الموارد البشرية العاملة في مراكز حماية النساء وتشجيعهن على البوح وترك الزوج المعنف الذي يرفض العلاج والتعريف بالهويات النفسية للشخصيات المعنفة كالشخصية المصابة بالانحراف النرجسي، والشخصية السيكوباثية، والشخصية المضادة للمجتمع أو ما يسمى بالشخصية العدوانية.

ومن جانب آخر، لا يمكن إغفال مسؤولية المرأة المعنفة نفسها في بعض الحالات في تكريس ظاهرة العنف ضدها، إما بسبب فهمها الخاطئ للدين الذي يجعلها تعتقد أن الضرب والتقويم وإعادة التربية من طرف الزوج هو حق له بقوة النص الديني، وأنها تعبد الله وتتقرب إليه بصبرها على زوجها، أو بسبب إعادة إنتاجها لبيئة نشأتها الاجتماعية التي يسودها العنف من خلال ما يسمى في علم النفس بالاستبطان، أو بسبب سيكولوجية المرأة المعنفة ذاتها، المتسمة بالخضوع وتقبلها للعنف ضدها.

ومن هنا تتضح أهمية اعتماد المقاربة السيكولوجية إلى جانب المقاربة القانونية والحقوقية في القضاء على العنف ضد النساء، لدورها الإيجابي في الرفع من مستوى الوعي لدى المرأة ولأهميتها في حمايتها من مخاطر الوقوع فريسة لمثل هذه الشخصيات المطبوعة بالعنف في بنيتها النفسية، فضلا عن أن إدخال هذه المقاربة ضمن المقاربة العامة سيعمل على تجويد النتائج والمخرجات وتطوير الخطط المعتمدة في هذا المجال.

ولا شك أن غياب الاستقلال المادي لدى المرأة يشكل عاملا ضاغطا آخر يجعلها تقبل عنف زوجها أو شريكها مكرهة، خصوصا مع وجود أبناء تخشى عليهم الضياع بسبب الطلاق أو الانفصال. ومن هنا تبرز أهمية توفير مؤسسات تأهيل ومراكز إيواء للنساء المعنفات أو اللواتي تعرضن لانتهاك حقوقهن بأي شكل من الأشكال، فضلا عن تقديم الخدمات الطبية والنفسية والقانونية وغيرها مجانا.

وتعلق المرأة المغربية آمالا كبيرة على تفعيل وأجرأة مقتضيات قانون 13-103 لمحاربة العنف ضد النساء، الذي دخل حيز التنفيذ يوم 12 شتنبر 2018، كآلية قانونية لإنصاف المرأة وثمرة لنضالات الحركة النسائية ومنظمات المجتمع المدني، وانسجاما مع مقتضيات دستور المملكة الذي نص على المساواة والنهوض بحقوق المرأة وحمايتها وحظر ومكافحة كل أشكال التمييز ضدها.

وبخصوص التدابير المعززة لوضعية المرأة في المغرب بما يحفظ مكانتها وحقوقها ويحميها من العنف قدمت الأستاذة المرابطي مقترحات، منها إدراج القيم الحقوقية في المقررات التعليمية، خاصة مقرر التربية الإسلامية (مجزوءة الزواج)، واعتبار قيم نبذ العنف معيارا أساسيا لدعم الدراما والفكاهة من طرف الدولة، وإطلاق جائزة وطنية لأحسن منتوج إعلامي تضمن قيم نبذ العنف تجاه المرأة واعتماد وصلات إشهارية بشكل مستمر في القنوات التلفزية والمنابر الإعلامية، وإسهام المساجد في إحياء اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة، لأهمية الخطاب الديني في لاوعي الإنسان المغربي، وتكثيف المجالس العلمية من تأطيرها للشباب المقبلين على الزواج في المجال.

كما دعت في هذا السياق إلى أهمية الاجتهاد الديني في مسألة ضرب المرأة وفي فهم النصوص ذات الصلة وتفسيرها تفسيرا “يحترم مقاصد الشريعة الإسلامية ويحترم المرأة كما كرمها الإسلام”.

إن التصدي للعنف ضد المرأة ليس عملا خيريا أو نافلة بل هو قضية إنسانية ومسؤولية مشتركة ينخرط فيها المجتمع بأسره رجالا ونساء جنبا إلى جنب، والتزام قانوني وأخلاقي يتطلب تدابير وإصلاحات تشريعية وإدارية ومؤسسية تتفاعل بشكل إيجابي ومستمر مع جهود الفاعلين في منظمات المجتمع المدني العاملة في هذا المجال.

م/ح

التعليقات مغلقة.