عبد الحق الزروالي: هامة من هامات المسرح تجربة كبيرة وعين على تاريخ الركح الوطني – حدث كم

عبد الحق الزروالي: هامة من هامات المسرح تجربة كبيرة وعين على تاريخ الركح الوطني

سناء بن حمو: “متى أحيا في التمثيل ومتى أمثل في الحياة”، كلمات نابعة من الفؤاد، من أعماق رجل مبدع وهب حياته للمسرح. عبد الحق الزروالي، فنان متكامل تفجرت مواهبه على إيقاع “الحلقة”، وتلقى أولى دروسه على أيدي حكواتييها، مأخوذا بسحر الكلمة وببراعة هؤلاء الحكائين في دعوة الجمهور للتحلق حولهم.

في غمرة أحاسيس جياشة، وصف لنا الزروالي، أحد أعلام المسرح الوطني، عشقه لهذا الإبداع أثناء جولاته بين مدن وقرى المملكة لعرض مسرحياته في المدارس والأحياء الجامعية والمستشفيات ودور الرعاية، يبتسم وهو يقول إنه كان يضطر لصناعة خشبة مسرح من الطاولات ليتمكن من خلق فرجة أمام جماهير تعيش بعيدة جدا عن خشبات المسارح. همه الكبير وشغله الشاغل هو إيصال فنه ورؤيته إلى الجميع.

وفي حديث خص به وكالة المغرب العربي للأنباء على هامش فعاليات المهرجان الوطني للمسرح المقام ما بين 8 و14 دجنبر الجاري بتطوان، قال الفنان المسرحي الكبير عبد الحق الزروالي إن الفن المسرحي يعتبر أحد أنواع الفرجة المشحونة بروافد التثقيف والمتشبعة بالحس والوعي السياسي للمثقف والمبدع المغربيين.

وأوضح أن التجربة المسرحية الوطنية ترتكز على أساسين اثنين، يقوم الأول على الأشكال التعبيرية الكامنة في التراث والتقاليد المغربية، من قبيل “الحلقة” و”البساط” و”سلطان الطلبة” وغيرها من الأشكال الفرجوية التي من الممكن أن تتحول إلى فن مسرحي، بينما ينضوي الأساس الثاني على الانفتاح على المسرح بمفهومه التقليدي، لاسيما مع ما أتى به الاستعمار الإسباني والفرنسي من فن مسرحي، كانت الغاية منه تقديم التغذية الفكرية والتثقيف والتسلية والترفيه لجالياتهما المقيمة آنذاك بالمغرب.

وأضاف “أستطيع القول أن “فن (البساط المغربي) يعد أكبر تجربة مسرحية مر بها تاريخ المسرح المغربي بالنظر إلى كونه كان يعالج قضايا اجتماعية وسياسية واقتصادية كان يعاني منها المجتمع”، مسجلا أن هؤلاء الفنانين كان يطلق عليهم باللغة العامية “الحلايقية”. وسجل عبد الحق الزروالي أن الاستعمار لعب دورا في النهوض بالركح المغربي، حيث كان سباقا إلى بناء المسارح من قبيل مسرح الجديدة ومسرح “ثيربانتيس” ومسرح طنجة والمسرح البلدي بالدار البيضاء، وهذا ما جعل المهتمين المغاربة، يتابع الفنان، يحاولون ما أمكن تقليد الفرنسيين والإسبان في الشكل الجديد ل”الحلقة” بين عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي.

وفي سنة 1926 انطلقت أولى التجارب المسرحية من ثانوية مولاي ادريس بفاس، التي يمكن اعتبارها أول فرقة مسرحية على الصعيد الوطني. وابتداء من سنة 1956، هذه السنة التي صادفت استقلال المملكة، بدأ المسرح المغربي يتخذ منحى آخر لا يقتصر فقط على الفرجة ولكن يتضمن خطابا سياسيا يخدم فكرة التحرر والذوذ عن القيم والأخلاق والأفكار والمصالح العليا للهوية المغربية.

وبعد الاستقلال، يضيف الفنان المغربي، تم إحداث مسارح وطنية متعددة منها، مسرح معمورة وفرقة المسرح الوطني ومسرح الطيب الصديقي، فضلا عن مسارح الهواة التي بذلت مجهودات كبيرة في اختيار مضامين المسرح العالمي وكذا في اختيار مسرح يتنصل من كونه مجرد فرجة ترفيهية سطحية، بل مسرح مشحون ومتشبع بالحس والوعي السياسي للمثقف والمبدع المغربي.

وكانت جل مسرحيات الهواة إلى حدود ثمانينيات القرن الماضي، يتابع الزروالي، في خدمة النقد الاجتماعي والسياسي في سبيل بلورة صورة مجتمع مغربي جديد يؤمن بدولة الحق والقانون ويسخر أدواته التعبيرية من أجل الترفيه والتثقيف ولكن أيضا التوعية السياسية.

واعتبر الفنان المسرحي نفسه محظوظا كونه عايش الفترة الأخيرة لجيل “الرواد” وواكب جيل “القنطرة” (الهواة) وانخرط منذ سنة 1990 مع جيل “الأمل”، موضحا أنه شارك في كل دورات المهرجان الوطني للمسرح إما في المسابقة أو المشاركة في عرض الافتتاح أو التكريم من قبل المنظمين أو توقيع كتب أو المشاركة في الندوات.

وأعرب، من ناحية ثانية، عن فخره واعتزازه بكونه حاز، خلال مساره المهني الطويل والحافل، على جوائز مهمة جدا توزعت بين الجائزة الكبرى وجوائز التأليف والسينوغرافيا والإخراج وغيرها، مشيرا إلى أنه كان أول شخص يقدم مسرحية جماعية بالمسرح الوطني الفلسطيني بالقدس الشرقية، فضلا عن تقديمه عروضا مسرحية في كل من الخرطوم وواد مدني جنوب السودان والمشاركة في جل دورات قرطاج وبغداد، ثم مسارح الشارقة ودمشق.

وبالحديث عن الأعمال المسرحية المشاركة في المسابقة الرسمية للمهرجان الوطني للمسرح في دورته ال 20، قال عبد الحق الزروالي إن كل الأعمال المعروضة على لجنة التحكيم جيدة ومقنعة، مؤكدا أن كل المشاركين من مخرجين وكتاب وممثلين وتقنيي السينوغرافيا يستحقون الجائزة من وجهة نظره.

واعتبر عبد الحق الزروالي أنه بالرغم من الصعوبات والإكراهات التي ما تزال تطال قطاع المسرح المغربي اليوم، إلا أن “الجيل الجديد من المسرحيين يستحق كل التنويه والتقدير والجوائز”.

وأردف، في هذا الصدد، “اعتماد معايير محددة وموحدة في تقدير أو تقييم أي عرض مسرحي مرشح لنيل إحدى الجوائز يكون صعبا جدا في أغلب الأحيان”، مضيفا “وفي حال عدم استطاعتنا تطبيق التمايز والتفاضل بين التجارب، يتم اختيار أكثر العروض تفاديا للأخطاء، هذه الأخطاء التي يدركها المبدع نفسه والمتلقي العادي وكذا المتخصص في النقد وفي تقييم القيمة الجمالية والإبداعية والفكرية في كل عمل”.

وخلص إلى أن الغاية المثلى من تنظيم المهرجان تكمن في خلق نوع من الوعي بأهمية المسرح في المدينة المستضيفة، معتبرا أن مسألة مجانية العروض بالمملكة تعد نقطة ضعف في قطاع المسرح، “بالنظر إلى أن مجانية الأشياء تفقدها قيمتها، وأنه من الواجب تخصيص ولو مبلغ متواضع لقاء مشاهدة العروض باعتبار أن الجمهور يبقى الداعم الأكبر للثقافة والإبداع والحركة الفكرية في جميع المجالات”.

وترعرع الفنان عبد الحق الزروالي في مدينة فاس، وعلى إيقاع الحلقة تفتقت مواهبه، فبدأ ممثلا، ثم تدرج في الإخراج، ليتحول إلى مسرحي متكامل يجمع بين الكتابة والإخراج والتمثيل. قدم أول عرض مسرحي له في سنة 1961، وفي رصيده اليوم ما يناهز ثلاثين عملا مسرحيا، كان فيها الكاتب والمخرج والممثل الوحيد على خشبة المسرح.

ويعد الفنان عبد الحق الزروالي رائد المسرح الفردي في المغرب والعالم العربي بلا منازع، حصل على العديد من الجوائز المسرحية في المغرب والوطن العربي، حيث ساهمت مسرحياته الملتزمة والرائدة في زيادة وعي الطلاب والشباب بالعديد من القضايا الإنسانية والوجودية.

ح/م

التعليقات مغلقة.