المنتدى البرلماني الدولي للعدالة الاجتماعية: الدعوة إلى الاهتمام بالعنصر البشري بوصفه “إنسانا يحتاج إلى كافة شروط الكرامة”
دعا المشاركون في المنتدى البرلماني الدولي السابع للعدالة الاجتماعية الذي اختتم أشغاله مساء امس بالرباط، إلى الاهتمام أكثر بالعنصر البشري ليس فقط بوصفه موردا وطاقة إنتاجية، ولكن أيضا و – بالخصوص – بوصفه “إنسانا يحتاج إلى أن كافة شروط الكرامة”.
وأوصى المشاركون في المنتدى البرلماني الذي نظم تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، حول موضوع “الرأسمال البشري: رافعة أساسية للعدالة الاجتماعية”، بتبني مقاربة جديدة في التنمية مبنية على مبدأ القدرة على امتصاص الصدمات من أجل توفير العيش الكريم لجميع أفراد المجتمع في ظل كل الظروف، بحيث تصبح راحة الإنسان الهدف الأسمى لكل السياسات العمومية.
ونبهوا، في هذا الصدد، إلى ضرورة إحداث قطب اجتماعي يسعى إلى ضمان الالتقائية بين المبادرات الحكومية الرامية إلى تحقيق شروط العيش الكريم لجميع أفراد المجتمع، بدل الاكتفاء بإسناد المهام الاجتماعية إلى وزارات بعينها، وكذا إنشاء مركز للدراسات يبحث في انعكاسات مختلف السياسات العمومية على حياة المواطن حالا ومستقبلا، وفق مقاربة وقائية تستبق كل وقع سلبي قد تسببه التدابير الحكومية على جودة العيش.
كما حثوا على وضع قانون إطار للعمل الاجتماعي تستند إليه جميع المؤسسات ذات الطابع الاجتماعي من أجل الرفع من الرفاه الاجتماعي لجميع أفراد المجتمع مع مراعاة حاجات الفئات الهشة عن طريق الاستثمار الاجتماعي الهادف إلى تكافؤ الفرص بين مختلف الفئات وبين الأجيال أيضا، والوقاية من الوقوع في المشاكل الاجتماعية ذات الانعكاسات السلبية الخطيرة على المدى البعيد.
ومن جملة التوصيات، كذلك، الدعوة إلى تبني ميثاق ثلاثي لتقوية الروابط بين القطاع العمومي والقطاع الخاص والمجتمع المدني من أجل العمل وفق مقاربة مندمجة تسعى إلى العمل المشترك من أجل رفاه إنساني متجذر في القيم والثقافة المجتمعية، وتبني استراتيجية وطنية عشرية للصحة الوقائية تعتمد على التعاون بين قطاعات متعددة وتركز على عدة أبعاد اجتماعية وبيئية واقتصادية وثقافية وطبية وتجارية ورقمية.
ويتعلق الأمر، أيضا، بتبني الأوساط المهنية للتنمية المهنية المستدامة لطاقاتها البشرية من خلال مأسسة برامج التكوين المستمر والاندماج ضمن مجموعات الممارسات المهنية من أجل تبادل الخبرات والتجارب، وتثمين الموارد البشرية في الأوساط المهنية من خلال الاعتراف بمجهوداتها وتوفير التحفيز المادي والمعنوي الذي يناسب أداءها، وتأمين صحتها وسلامتها في مكان العمل، بالإضافة إلى إشراكها في اتخاذ القرار، إلى جانب تبني سياسة لإدماج المهاجرين في النسيج المجتمعي المغربي دون تمييز على أساس الانتماء الثقافي، مع اتخاذ التدابير الكفيلة بتجنب حدوث انفصال ثقافي يكرس الطائفية داخل المجتمع الواحد.
من جهة أخرى، أوصى المشاركون في المنتدى البرلماني بتكريس الاعتراف بالحقوق اللغوية لمختلف مكونات المجتمع لتعزيز قيم الانتماء إلى الوطن، وتثمين التراث الثقافي الوطني واستثماره في إحداث نهضة ثقافية مغربية تنهل من التراث وتستفيد في الآن نفسه من التعبيرات الثقافية المعاصرة، مع إدماج الشباب في هذه الصيرورة الثقافية الجديدة بشكل يكرس فيهم الارتباط بالعمق الثقافي لبلادهم ويشجعهم على الإبداع والابتكار.
وتوقفوا، أيضا، عند مركزية إرساء نظام وطني لتجويد المنظومة التربوية لتصبح قادرة على منح الفرد جميع المؤهلات التي تسمح له بالارتقاء بذاته أولا ثم بالمجتمع ثانيا فضلا عن خدمته للإنسانية ككل ثالثا، فيكون بذلك ليس فاعلا اقتصاديا ناجعا فحسب، بل أيضا فاعلا اجتماعيا يسهم في بناء مجتمع قوي ومتماسك، وفاعلا ثقافيا يصون قيم حضارته وينفتح بشكل واع على قيم الحضارات الأخرى ويسهم بالتالي في بناء القيم الكونية المشتركة.
وأكد الفاعلون الحكوميون والمؤسساتيون والخبراء، الذي أغنوا فعاليات المنتدى، على ضرورة اعتماد الاستثمار المنصف في جودة التعليم خاصة العمومي بهدف تأهيل الرأسمال البشري بشكل يساعد بقوة على الرفع من وتيرة التنمية ومن فرص الرفاه الاجتماعي، والاعتناء بالعنصر البشري على قدم المساواة بغض النظر عن أي نوع من أنواع الانتماء، “بحيث لا تحول الخصائص الفردية والاجتماعية دون أن يمتلك أي شخص الكفايات الدنيا التي تسمح له بأن يكون فاعلا في المجتمع”.
كما أبرزو الأهمية التي ينطوي عليها تأهيل المدرسة لتقوم بدور أساسي في تنمية الرأسمال الاجتماعي، من خلال تدريب المتعلم منذ الصغر على الانخراط في الأعمال الاجتماعية والتطوعية، والتربية على المواطنة والسلوك المدني والقيم الإسلامية النبيلة بشكل عملي يمكن من التشبع بها في السلوك اليومي، وتشجيع العمل الجماعي سواء داخل الفصل الدراسي او خارجه من أجل تنمية ثقافة العمل المشترك وفق برامج دراسية موجهة نحو خدمة المجتمع من خلال مختلف المواد الدراسية.
وفي سياق ذي صلة، ركزوا على بناء مناهج دراسية تعكس بوضوح محددات الانتماء للمجتمع المغربي في سياق تبني سياسة إدماج المهاجرين في النسيج المجتمعي سيساعد على انصهار مختلف الثقافات الوافدة ضمن الهوية المغربية الموحدة، والاستثمار في تطوير الكفايات الأساسية إلى جانب الكفايات الأفقية مثل التعلم الوجداني الاجتماعي، مع ربطها بسياقات عملية ودعمها بممارسة الأنشطة الرياضية، وتطوير مناهج دراسية تركز على التعلم الاجتماعي والوجداني وتبني الرأسمال الاجتماعي المكون من معايير وقيم وروابط تيسر التعاون بين الأفراد وتدعم الثقة المتبادلة داخل المجتمع.
كما نوهوا إلى إلزامية تشجيع الشبكات التعاونية بين أفراد المجتمع المدرسي مدرسين ومتعلمين وإداريين، وجعل المدرسة صلة وصل بين المجتمع المدرسي المصغر والمجتمع الكبير الذي يحتضنها وتعمل على خدمته، وذلك من أجل تنمية قيمة التعاون التي تعتبر من الخاصيات الأساسية للمؤسسات التعليمية الناجحة، وتشجيع الأسرة على تحمل جزء من المسؤولية التربوية لتعليم أبنائها فتنخرط أكثر في الشأن التربوي من خلال جمعيات الآباء والأمهات وأولياء الأمور، وربط العلاقات مع الأسر من أجل مساعدتها على مواكبة تعلم أبنائها وإبرام شراكات مع المقاولات المحلية والمجتمع المدني من أجل توفير برامج الدعم الاجتماعي والتربوي للتلاميذ المعوزين، فضلا عن تطبيق سياسات تربوية مستدامة لدعم التلامذة المتعثرين والمؤسسات المهمشة مع الحرص على تناسقها وفعاليتها خاصة في زمن النكسات والأزمات.
وحثوا، في الأخير، على حذف التكرار لأنه مكلف وبدون جدوى على مستوى تحسين التحصيل الدراسي، وتعويضه بدعم المتعثرين وتمكينهم من الكفايات الدنيا على الأقل، وتشجيع الامتزاج الاجتماعي في المدرسة من خلال تقنين اختيار المدارس من طرف الآباء حتى لا يؤدي هذا الإجراء إلى تمييز بين التلاميذ على أساس الاستعدادات أو الانتماء الاجتماعي والاقتصادي، واعتماد آلية معيارية لتمويل المؤسسات التعليمية تمنح أفضلية للمدارس التي تحتضن التلامذة من أسر معوزة، وجذب المدرسين الأكفاء وضمان تكوينهم المستمر المتكيف مع خصوصيات العمل مع التلامذة من أسر مهمشة مع تحفيزهم ماديا لمساعدتهم على الوفاء بالتزاماتهم المهنية، والاستثمار في التعلم الرقمي من أجل تقليص الفوارق المجالية والاجتماعية وتكييف طرائق التدريس مع حاجات الأطفال ذوي الإعاقة والأطفال المنتمين إلى الفئات الهشة.
وتميزت الدورة السابعة لمنتدى العدالة الاجتماعية، التي نظمت بشراكة مع المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، بمشاركة واسعة لمسؤولين حكوميين وبرلمانيين وخبراء وأساتذة، وكذا ممثلي الهيئات السياسية والتنظيمات المهنية والنقابية، فضلا عن مختلف المنظمات الدولية.
وناقش المنتدى في إطار جلسات موضوعاتية قضايا ذات صلة بتعزيز الرأسمال البشري، من قبيل “تعميم الخدمات الصحية الجيدة والحماية الاجتماعية، و “رهان تجويد منظومة التربية والتعليم” و”تثمين الموارد البشرية في الأوساط المهني باعتباره رافعة لتعزيز الرفاه الاقتصادي والاجتماعي للجميع” و “التنوع الثقافي ورهانات بناء مجتمع منفتح ومتماسك”.
وتكريسا للطابع الدولي للمنتدى، حضر أشغال هذه الدورة وفد هام عن جمهورية الأوروغواي والمدير العام لمنظمة الإيسيسكو، وكذا ممثلي هيئات الأمم المتحدة بالمغرب، إلى جانب مشاركة رئيس الاتحاد البرلماني الدولي عبر تقنية التواصل المرئي.
ح/م
التعليقات مغلقة.