مع بداية التسخينات إستعدادا للانتخابات:مطالب بالتدخل العاجل للمدير العام للجماعات الترابية.. لمعالجة إشكالية التعيينات في الجماعات الترابية… “بعض مقاطعات مدينة الرباط نموذجا !”
لقد تم توجيه عدة انتقادات إلى الإدارة العمومية في العديد من الخطب الملكية، ومنها ما أكدته الرسالة الملكية السامية الموجهة إلى المشاركين في الملتقى الوطني للوظيفة العمومية العليا على عدم قدرة النموذج التنموي بالمغرب من تحقيق التنمية الشاملة بسبب صعوبات كتيرة من بينها ضعف أداء الإدارة، وبالنظر أيضا إلى كم الإختلالات التي يرصدها المجلس الأعلى للحسابات ومجالسه الجهوية بمناسبة المهام الرقابية التي تقوم بها، فإن اختيار الأشخاص المناسبين لتولي مناصب المسؤولية أصبح موضوعا يطرح نفسه بإلحاح، في ظل الارتباط الوثيق بين أداء المرفق العمومي وطبيعة ومستوى الموارد البشرية العاملة به.
من هنا يستمد هذا الموضوع أهميته وراهنيته لكي تتدخل المديرية العامة للجماعات الترابية لمعالجة إشكالية التعيينات في مناصب المسؤولية في الجماعات الترابية، وحاجتها الى الموارد البشرية المؤهلة لتحقيق رهان التنمية.
حيث يتساءل العديد من المهتمين والمتابعين ويطرحون قضية حساسة، تتعلق بتنظيم مقابلات من طرف مجالس الجماعات الترابية في هذا الوقت بالذات لاختيار رؤساء المصالح، وعن ما جدوى تنظيم هذه المقابلات في الوقت الذي تكون فيه النتائج معروفة مسبقا بناء على اختيار الرئيس إستعدادا للإنتخابات.
أولا، يجب التأكيد على أن عملية التعيين يجب أن تتم بناء على الكفاءة والقدرة على تحمل المسؤولية، وليس بناء على اعتبارات خارجية أو محسوبيات. لكن الواقع، كما يلاحظ المهتمون، يشير إلى أن اختيار رؤساء المصالح في أغلب الحالات يكون محصورا في دائرة ضيقة قبل أن يتم الإعلان عن نتائج المقابلات، وبالتالي، يبدو أن هذه العملية ليست سوى إجراء شكلي لا يعكس فعلا الكفاءة أو القدرة المهنية.
إن تنظيم مقابلة بهذا الشكل يمثل هدرا للوقت والجهد سواء على مستوى المرشحين الذين يتكبدون عناء الإستعداد لهذه المقابلات في ظل قلة الشفافية، أو على مستوى الأطر الإدارية التي تضطر لتنظيم هذه العمليات وتوزيع الموارد دون أن يكون لها أي تأثير حقيقي على إختيار الأشخاص المؤهلين، كما أنه يُضعف الثقة في المؤسسات الترابية، ويجعل من هذه العمليات إجراءات صورية لا تحقق الأهداف المنشودة.
ثانيا، يجب أن نتساءل لماذا يتم تكرار هذه الممارسات رغم إدراك الجميع بأنها لا تؤدي إلى تحسين الأداء الإداري ولا تساهم في تقديم خدمات ذات جودة عالية للمواطنين، فبدلا من ذلك، كان من الأفضل تخصيص هذه الجهود لتحسين أسس التقييم وضمان معايير الشفافية والمساواة في اختيار المناصب الحساسة.
لدى من الضروري تدخل المديرية العامة للجماعات الترابية لإعادة النظر في هذه العمليات التنظيمية، وتحقيق توازن حقيقي بين الكفاءة المهنية والمعايير الموضوعية التي تضمن تعيين المسؤولين الأكفاء القادرين على إدارة المصالح العامة، وابتكار طرق تضمن الشفافية والمساواة، بدلا من هدر الوقت والموارد في إجراءات لا تعكس الواقع.
إن استمرار استخدام آليات تعيين غير شفافة وغير موضوعية في اختيار المسؤولين، خاصة في مناصب رؤساء المصالح في مجالس الجماعات الترابية، يترتب عليه العديد من الآثار السلبية التي تؤثر بشكل مباشر خاصة على الأداء الإداري والتنمية المحلية. ومن بين هذه الآثار:
1.ضعف الكفاءة الإدارية:
عندما يتم تعيين رؤساء مصالح استنادا إلى المحسوبية أو الاعتبارات السياسية بدلا من الكفاءة والمهنية، فإن ذلك يؤدي إلى تعيين أشخاص غير مؤهلين في مناصب حساسة، وهؤلاء الأشخاص قد يفتقرون إلى الخبرة أو المهارات اللازمة لإدارة المرافق العامة والمشاريع المحلية، مما يؤثر سلبا على الأداء الإداري، لأن غياب الكفاءة في المناصب القيادية يؤدي إلى ضعف القدرة على إتخاذ القرارات الصائبة وتنفيذ السياسات بشكل فعال.
2.تدهور جودة الخدمات المقدمة للمواطنين:
من أهم وظائف رؤساء المصالح في المجالس الترابية هو الإشراف على تقديم خدمات أساسية للمواطنين، وعندما يتم تعيين الأشخاص بناء على اعتبارات غير موضوعية، فإن ذلك يؤدي إلى ضعف في إدارة هذه الخدمات.
هذا التدهور في الإدارة ينعكس على مستوى الخدمات التي يتلقاها المواطنون، مما يزيد من تذمرهم ويقلل من ثقتهم في المؤسسات العامة.
3.تعزيز الفساد والمحسوبية:
الإنتقاء غير الشفاف للمسؤولين في المناصب الإدارية يعزز ثقافة الفساد والمحسوبية داخل المؤسسات، فعندما يشعر الموظفون والمواطنون بأن التعيينات تتم بناء على علاقات شخصية أو سياسية وليس على أساس الكفاءة، فإن ذلك يؤدي إلى ضعف الرقابة الداخلية والخارجية على الأداء، وقد يترجم هذا إلى زيادة في الفساد الإداري، حيث يسعى بعض المسؤولين إلى حماية مصالحهم الشخصية أو السياسية على حساب المصلحة العامة.
4.عدم إستقرار المؤسسات:
التعيينات غير الموضوعية تعني أن المسؤولين قد لا يلتزمون بسياسات طويلة المدى أو استراتيجيات واضحة لتحقيق التنمية المستدامة، فعندما يتغير الأشخاص في المناصب بناء على تحولات سياسية أو شخصية، قد يؤدي ذلك إلى تذبذب في السياسات والخطط التي تم وضعها مسبقا.
وهذا يؤدي إلى عدم إستقرار المؤسسات وتراجع فعالية العمل الإداري، مما يضر بمشاريع التنمية المحلية التي تحتاج إلى استمرارية وتخطيط طويل الأمد.
5.انخفاض الروح المعنوية للمجتمع الإداري:
عندما يُشعر الموظفون في الإدارة المحلية بأن التعيينات لا تتم بناء على الجدارة والكفاءة، فإن ذلك يؤدي إلى تدني الروح المعنوية داخل الجماعةالترابية.
وقد يفقد الموظفون الثقة في النظام الإداري ويشعرون بالإحباط نتيجة لعدم تكافؤ الفرص، وهذا قد يؤدي إلى انخفاض في إنتاجيتهم وإهتمامهم بالعمل، مما ينعكس بدوره على مستوى الخدمة المقدمة.
6.تعطيل التنمية المحلية:
التعيينات غير الشفافة والمرتبطة بالمحسوبية تؤدي إلى وضع الأشخاص غير المناسبين في المناصب القيادية. هؤلاء الأشخاص قد يفتقرون إلى الرؤية الإستراتيجية والقدرة على تحديد أولويات التنمية المحلية، كما أنهم قد يفتقرون إلى قدرة التفاعل مع المجتمع المحلي وتلبية احتياجاته.
وبالتالي، يؤدي ذلك إلى تأخير أو تعثر المشاريع التنموية، وتفاقم مشاكل التنمية المحلية في عدة مجالات.
7.إضعاف الثقة في المؤسسات المحلية:
عندما تتم التعيينات بشكل غير شفاف، فإن ذلك يضعف الثقة بين المواطنين والمجلس المحلي، ويدرك المواطنين أن التعيينات لا تتم بناء على الكفاءة أو المصلحة العامة، بل على اعتبارات أخرى قد تكون غير نزيهة، هذا يؤدي إلى تآكل الثقة في مؤسسات الدولة وارتفاع مستوى التشاؤم بين المواطنين، مما يعزز فجوة التواصل بين المجتمع والسلطات المحلية.
8.انتشار الشعور بعدم العدالة:
عندما يرى المواطنون والموظفون أن التعيينات لا تستند إلى معايير العدالة والمساواة، فإن ذلك يعزز الشعور بالظلم وعدم المساواة، وهذا الشعور ينتشر بين الأفراد ويؤدي إلى زيادة الإستياء الإجتماعي والتوترات داخل المجتمع المحلي، وقد يؤدي هذا الوضع إلى اضطرابات إجتماعية على المدى الطويل إذا لم يتم معالجة هذه المشكلة بشكل جذري.
إن تعيين المسؤولين بناء على اعتبارات غير موضوعية يمثل عقبة كبيرة أمام تحسين الأداء الإداري وتعزيز التنمية المحلية، وهذه الممارسات تضعف كفاءة الأجهزة الحكومية، وتؤدي إلى تدهور جودة الخدمات المقدمة للمواطنين، وتساهم في انتشار الفساد وعدم الإستقرار المؤسسي، من أجل تحسين الوضع، من الضروري اعتماد معايير شفافة ومهنية في اختيار المسؤولين، وتعزيز ثقافة الكفاءة والنزاهة في إدارة الشأن العام، لدى وجب تدخل المديرية العامة للجماعات الترابية لإعادة النظر في هذه العمليات التنظيمية، لتحقيق توازن حقيقي بين الكفاءة المهنية والمعايير الموضوعية التي تضمن تعيين المسؤولين الأكفاء القادرين على إدارة المصالح العامة، ووضع إجراءات واضحة تضمن الشفافية والنزاهة والحكامة الجيدة.
ع.م