اليوم الوطني للتشجيع على التبرع بالأعضاء: حواجز نفسية واجتماعية ما تزال تعيق هذه المبادرة الإنسانية النبيلة – حدث كم

اليوم الوطني للتشجيع على التبرع بالأعضاء: حواجز نفسية واجتماعية ما تزال تعيق هذه المبادرة الإنسانية النبيلة

تتجه الأنظار بمناسبة تخليد اليوم الوطني للتحسيس والتشجيع على التبرع بالأعضاء، بموازاة إحيائه على الصعيد العالمي، صوب آلاف الأشخاص الذين ينتظرون “متبرعا” ينقذ حياتهم، ويعود النقاش ليطرح مجددا حول واقع هذه المبادرة الإنسانية بالمغرب والتي لا تزال رهينة حواجز نفسية واجتماعية.
فعلى الرغم من الجهود التي بذلها المغرب على مستوى التشريع، وتحقيقه لإنجازات هامة في مجال زرع الأعضاء والأنسجة على المستوى العربي والمغاربي، فضلا عن مبادراته لترسيخ هذه الثقاقة إعلاميا واجتماعيا، إلا أن عدد المتبرعين لا يزال بعيدا عن تلبية الحاجة المتزايدة من الأعضاء والأنسجة الكفيلة بإنقاذ الحالات التي تعج بها المستشفيات .
بنبرة تشي بالكثير من الإصرار والعزم، تروي أمينة، سيدة في ربيعها الأربعين، معاناتها منذ ثلاث سنوات مع مرض القصور الكلوي الحاد الذي أنهك قواها الجسدية واستنفذ إمكاناتها المالية، لكنه لم ينل قط من عزيمتها وتشبثها بأمل لا تخبو جذوته للعثور على متبرع يرأف لحالها.
وفي انتظار متبرع بكليته ينهي معاناتها مع المرض، تواظب أمينة مكرهة لا مخيرة على إجراء ثلاث حصص أسبوعية بأحد مراكز تصفية الدم بالرباط، وهي العملية التي تقول في حديثها لوكالة المغرب العربي للأنباء، إنها أنهكت قواها وجعلتها عاجزة عن ممارسة أي نشاط، كما ألزمتها بوصفة طبية تكلفها قرابة 1500 درهم في الأسبوع.
أما وسام، الذي لم يتجاوز عمره الثلاثين، فقد تحقق الحلم الذي لطالما راوده منذ سنوات بإيجاد متبرع بالكلية ينهي معاناته مع مرض القصور الكلوي. ولم يكن المتبرع سوى والدته التي منحته كليتها بعد تفكير طويل في هذا القرار الذي لم يكن سهلا على الطرفين.
ويتذكر وسام بألم كبير معاناته لست سنوات مع مرض له عبء مادي ونفسي ثقيل عليه وكذا على أفراد أسرته، مضيفا أن عجزه عن القيام بأدنى مجهود جسدي في ريعان الشباب، وتعثر مساره الدراسي كانا يزيدان من حدة المعاناة التي من الممكن أن تنتهي بمبادرة من متبرع.
وحسب الأستاذ الباحث في علم الاجتماع والأنثروبولوجيا عياد أبلال، فإن موضوع التبرع بالأعضاء لا يزال موضوعا شائكا، إذ أن تحليل تمثلات المغاربة حول جسدهم كفيل بإضاءة مساحات الغموض والخوف من التبرع، ذلك أن المغربي له علاقة متوترة وحميمية في الوقت نفسه بجسده، “فهو يرفض أن يقترب منه أحد، ويعتبره ملكا له حتى بعد الممات”.
وأوضح الباحث، في حديث للوكالة، أن ثمة لبسا يتمثل في الخوف من انتزاع الأعضاء قبل الوفاة النهائية، خاصة وأن هناك العديد من الحالات التي استعادت وعيها بعد مدة طويلة من الموت السريري، داعيا في الوقت نفسه إلى تحليل المعطيات السوسيولوجية التي لا تشجع المغاربة على التبرع بالأعضاء والمساهمة بالتالي في زرع الحياة والأمل من جديد في جسم آخر.
أما رئيس المجلس الاستشاري للتبرع بالأعضاء، البروفيسور رمضاني بنيونس، فيرى أن مسألة التبرع بالأعضاء شهدت تطورا مستمرا “بالرغم من أن الأرقام المسجلة لا تزال بعيدة عن ما نتطلع إلى تحقيقه سواء بالنسبة لعدد المتبرعين أو عمليات الزرع”.

وأكد البروفيسور رمضاني، في حديث للوكالة، أن قلة العمليات التحسيسية وجهل أفراد المجتمع بالمستجدات التي طرأت على النص القانوني، وكذا الجانب المتعلق بسجلات رفض وقبول التبرع، عوامل تحد من عزيمة بعض المتبرعين، على الرغم من توفر الضمانات الطبية الكافية لإجراء عمليات الزرع سواء بالنسبة للمتبرعين الأحياء في حالة الكلي، أو أولئك المتواجدين في حالة موت دماغي في حالة زرع الكبد والقلب وبعض الأنسجة.
وأشار في هذا السياق إلى تطور العملية مقارنة مع العام الماضي، حيث استقبل بنك الأعضاء 11 حالة تبرع شملت الكلي والكبد والقرنية، وهو رقم ارتفع ليصل إلى 31 حالة خلال العام الحالي، ليغدو سبقا على المستوى المغاربي على الأقل من إنسان في حالة موت دماغي.
كما أبرز أن نسبة نجاح هذه العمليات تقترب من مائة بالمائة بالنسبة للكلي والقلب، و75 في المائة بالنسبة لعمليات زرع الكبد، مشيرا إلى توفر إمكانيات تقنية وكفاءات بشرية مهمة بكل المستشفيات الجامعية والمستشفيات الجامعية العسكرية وكذا المؤسسات الاستشفائية المرخص لها قانونيا. وبدوره، أبرز محمد الحسن الطرابلسي المكلف بمهمة بالكتابة العامة بوزارة الصحة والمنسق السابق لملف التبرع بالأعضاء والأنسجة بالوزارة، أن 43 في المائة من العدد الإجمالي لعمليات الزرع تمت في السنتين الأخيرتين، في وقت تنتظر فيه قرابة 20 ألف حالة في القطاعين العام والخاص في حالة مرضى الكلي على سبيل المثال، العثور على متبرع.
وسجل الدكتور الطرابلسي في حديث للوكالة، أن عملية التبرع سواء من الحي إلى الحي في حالة مرضى الكلي أو من الميت إلى الحي في باقي الحالات، تسبقها فحوصات وتجارب للتأكد من الانسجام والتطابق الجيني على مستوى الأنسجة، مؤكدا أنها عملية صعبة على المستوى التقني، تتطلب تجند فريقين يتكلف أحدهما بعملية النقل فيما يتكلف الآخر بعملية الزرع.
وأبرز في هذا الصدد، أن وزارة الصحة لا تدخر جهدا لتعزيز الوعي بأهمية التبرع بالأعضاء، ولتوفير ميزانية خاصة لعمليات الزرع، وكذا لإدراجها في نظام التغطية الصحية “راميد”، إضافة إلى العمل على الجانب التواصلي والإعلامي وضمان تكافؤ الفرص بين المرضى، من خلال لجنة علمية مكونة من أساتذة متخصصين في المجال، تقوم بتحيين لوائح التبرع حسب الوافدين والمستفيدين.
ومن الناحية الدينية، أكد عالم الدين الدكتور شفيق الإدريسي أنه رغم أن موقف الدين الإسلامي محسوم من قضية التبرع بالأعضاء مصداقا لقوله تعالى “فمن أحياها فكأنما أحيى الناس جميعا”، إلا أن الثقافة الدينية لم ترق بعد إلى فهم هذه الإشكالات في بعدها المقاصدي، معتبرا أن “التبرع بالأعضاء أمر مستحب ومن أعظم القربات إلى الله عز وجل، شريطة ألا يكون بمقابل مادي“.
ودعا الدكتور الإدريسي إلى توفير دورات تكوينية لفائدة الفقهاء التقليديين بالمشرق والمغرب ممن لازالوا يعتقدون أن الأمر غير جائز، وضرورة تبيان الجوانب التي غابت عنهم، حتى يصححوا هذه النظرة الضيقة التي لا صالح فيها لا للميت ولا للحي، إلى جانب الجمهور العريض من الوعاظ وخطباء الجمعة ووسائل الإعلام ومنظمات المجتمع المدني، والأسر والساسة وكل من يقتدى بهم ليعطوا المثال في هذا المجال.

حدث كم/ماب/الصورة من الأرشيف

التعليقات مغلقة.