الأراضي السلالية : من الانتفاعية الذاتية إلى المنظور التنموي المتكامل – حدث كم

الأراضي السلالية : من الانتفاعية الذاتية إلى المنظور التنموي المتكامل

تشكل القوانين الجديدة الخاصة بأملاك الجماعات السلالية ، التي كانت محور ندوة علمية نظمت أمس بمدينة خريبكة، طفرة نوعية وتحولا جذريا في المقاربة التنموية ونمط تدبير هذا القطاع الحيوي الذي يقدر ب15 مليون هكتار على المستوى الوطني.

وترتكز هذه المقاربة الجديدة ، التي تشكل فلسفة القوانين الجديدة ذات الصلة، على تأهيل الأراضي السلالية من منظور تنموي شامل ومتكامل لتصبح آلية لخدمة التنمية الاقتصادية والمجالية، والرفع من فعالية ونجاعة السياسة العقارية للدولة، من خلال استغلال أمثل لمؤهلات هذا القطاع ، وكذا تمكين أفراد الجماعات السلالية من الاستفادة من هذه الأراضي ، واندماجهم في النسيج الاقتصادي ، وتسهيل تعبئتها لفائدة الاستثمار الخاص ، للانتقال من مرحلة المنفعة الذاتية إلى مرحلة الخدمة التنموية المجالية.

وقد أبرزت مداخلات نخبة من المختصين ورجال القضاء خلال هذه الندوة ، التي نظمتها محكمة الاستئناف بخريبكة والمحاكم الابتدائية التابعة لدائرة نفوذها بشراكة مع مديرية الشؤون القروية بوزارة الداخلية وإقليم خريبكة ، عناصر هذه المقاربة الجديدة التي تتجاوز منطق التسيير التقليدي لهذه العقارات ، وذلك من خلال استعراض جوهر وفلسفة هذه القوانين الجديدة التي تنظم أملاك الجماعات السلالية.

ويتعلق الأمر بالقانون رقم 62.17 المتعلق بالوصاية الإدارية على الجماعات السلالية وتدبير املباكها، ثم القانون رقم 63.17 المتعلق بالتحديد الإداري لاراضي الجماعات السلالية، وأخيرا القانون رقم 64.17 القاضي بتغيير وتتميم الظهير الشريف رقم 1.69.30 الصادر في 1969 المتعلق بالاراضي الجماعية الواقعة في دوائر الري، والتي حظيت بالمصادقة من طرف نواب الامة بعد عرضها للمناقشة العامة ونشرها بالجريدة الرسمية، وتم تأكيد ذلك بنشر المرسوم المتعلق بتطبيق احكام القانون رقم 62.17 بشان الوصاية الإدارية على الجماعات السلالية وتدبير املاكها.

وسجلت المداخلات العلمية من خلال المقتضيات القانونية الجديدة الرغبة الأكيدة للمشرع في تجاوز الصعوبات والمعيقات بمختلف تجلياتها القانونية المرتبطة أساسا بقصور التشريع، أو الواقعية الحائلة دون التدبير الأمثل لتلك الأراضي، بشكل جعلها عائقا لبلوغ الأهداف المسطرة في السياسات والبرامج التنموية المعتمدة من طرف الحكومة في مختلف الميادين والمجالات.

وأوضحت أنه سعيا إلى تأهيل أراضي الجماعات السلالية فقد تم وضع نظام قانوني متكامل لآليات تدبيرها، ولقواعد الإشراف على الانتفاع بها، ولنظام الوصاية الإدارية على تسييرها ومراقبة النصوص التشريعية والتنظيمية المؤطرة لها، واتخاذ كل التدابير الإدارية والمالية اللازمة للحفاظ عليها وتثمينها.

وأشارت هذه المداخلات إلى أن القوانين الجديدة أقرت قواعد ومبادئ جعلت فلسفة النشاط التدبيري تنتقل من منطق الانتفاع إلى مطلب الربح والاستثمار، وغيرت نظام تدبير الانتفاع من مجرد انقياده وراء الأعراف وتعليمات سلطة الوصاية إلى خضوعه إلى الأعراف والنصوص التشريعية والتنظيمية.

وأشارت إلى أن المشرع ، وفي تفاعل مع النقاش العمومي الحاصل حول تدبير الأراضي السلالية، أقر مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة في الانتفاع بالأراضي السلالية، وفي اختيار نواب الجماعات السلالية، كما أنه أقر مجموعة من الإجراءات المسطرية والاحكام الموضوعية ذات الصلة بالمنازعات المتعلقة بتدبير الأراضي السلالية بالشكل الذي سوف يجعلها أداة فاعلة لخدمة الاستثمار والتنمية المجالية.

ومن أجل ترجمة هذه القوانين بشكل أمثل حتى تحقق مبادئ هذه المقاربة التنموية الجديدة لهذا القطاع الحيوي، سعت هذه المداخلات إلى التعريف بمضامين القوانين الجديدة ، لتنمية المدارك المهنية والعلمية وتحيين الممارسة السلالية، ومناقشة الإشكالات والإكراهات الواقعية الطارئة خلال تطبيق النصوص التشريعية والتنظيمية، وما تثيره من إشكالات تعميرية ومجالية وقانونية، وعيا منها بالتقاطعات القانونية أو العرفية والإثنوغرافية التي تحكم الأراضي السلالية، وبالتجاذبات الإدارية والتوثيقية والترابية والتشريعية والتنظيمية التي تؤطر تدبيرها واستغلالها.

وذكرت بأنه في سياق البحث عن مخططات عملية لتأهيل أراضي الجماعات السلالية وفق المنظور التنموي الجديد وتطوير نجاعة السياسة العقارية للدولة جاءت الرسالة الملكية السامية لصاحب الجلالة إلى المشاركين في المناظرة الوطنية يومي 8 و9 دجنبر 2015 بالصخيرات حول موضوع “السياسة العقارية للدولة ودورها في التنمية الاقتصادية والاجتماعية”.

كما دعا جلالته بتوجيهاته السامية الواردة في خطابه بمناسبة افتتاح البرلمان سنة 2018، وفي خطابه السامي بمناسبة الذكرى السادسة والستين لثورة الملك والشعب إلى ضرورة الانكباب على الإصلاحات التشريعية المرتبطة بأراضي الجماعات السلالية وتعبئة الأراضي الفلاحية السلالية لإنجاز مشاريع استثمارية في المجال القروي انسجاما مع انموذج التنموي الجديد.وتنفيذا لهذه التوجيهات الملكية السامية، فإن سلطات الوصاية عملت على إعداد القوانين الثلاث المذكورة آنفا.

وتجدر الإشارة إلى أن أراضي الجماعات السلالية، أو ما يعرف في الأوساط العامة ب”أراضي الجموع” تحتل مكانة هامة ضمن النسيج العقاري الوطني، وهي ذات بنية عقارية معقدة من حيث نظامها القانوني ، بالنظر إلى هيمنة العرف وتأثيره على مجمل المعاملات والتصرفات التي تقع عليها، بحيث تستأثر باستغلالها جماعات منظمة في شكل قبائل أو فخدات أو دواوير أو عشائر، قد تربط بين مختلف مكوناتها روابط اجتماعية أو عائلية أو عرفية. ويقوم استغلالها على مبدأ “التدبير الجماعي” بين ذوي الحقوق الذين يتمتعون بحقوق الانتفاع.

واعتبارا لتعدد طرق استغلال الأراضي السلالية، وتنوع العادات والأعراف المعتمدة في تدبيرها، ووعيا من المشرع بضرورة سن قواعد قانونية موحدة لتسييرها وضمان حسن الانتفاع بها، فانه بادر الى تنظيم احكامها بموجب ظهير 27 ابريل 1919 بشأن تنظيم الوصاية الإدارية على الجماعات وضبط تدبير شؤون الأملاك الجماعية وتفويتها، وبمقتضى ظهير 18 فبراير 1924 المتعلق بتحديد الأراضي الجماعية، وظهير 25 يوليوز 1969 بشأن الأراضي الجماعية في دوائر الري، إلى جانب مجموعة من الدوريات والمناشير الصادرة عن السلطة الوصية.

وغني عن البيان أن تدبير أراضي الجماعات السلالية عرف ولا زال يعرف مجموعة من الإكراهات والمعيقات التنظيمية والتشريعية، سواء على مستوى تحديدها، أو تصفية وضعيتها القانونية، أو على مستوى الإدماج المجالي والاجتماعي لساكنتها خاصة في المدارات الحضرية، وهو ما نعكس سلبا على دورها في النهوض بالتنمية الاقتصادية، وعلى تنزيل بعدها التعاوني من أجل الادماج الاجتماعي.

ومن جانب آخر، فإن تأهيل الأراضي السلالية وجعلها الية لإدماج ذوي الحقوق في الدينامية التنموية في إطار مبادئ الحق والانصاف والعدالة الاجتماعية، يقتضي تدبير النزاعات الجماعية بشكل أفقي وإيجابي وبمنطق تشاركي بين الدولة والجماعات الترابية باعتبارها فاعلا أساسيا في التنمية الترابية.

وتقدر المساحة الإجمالية للأراضي السلالية على المستوى الوطني ب15 مليون هكتار، تمثل الأراضي الرعوية الجزء الوافر منها نسبة 85 في المائة فيما يتم توظيف الجزء الباقي في الأنشطة الفلاحية والغابوية والسكنية بنسب متفاوتة.

ويخضع تدبير هذه الأراضي لإشراف جمعية المندوبين أو النواب طبقا للأعراف والعادات، ولرقابة مجلس الوصاية والسلطات الإقليمية المختصة.وتستغل 98 في المائة من الأراضي الجماعية من قبل ذوي الحقوق وأفراد الجماعات، ويقتصر تدخل إدارة الوصاية على تسيير جزء من الممتلكات السلالية لا يزيد عن نسبة 2 في المائة.

يذكر أن الندوة ، التي حضر فعاليتها عامل إقليم خريبكة السيد عبد الحميد اشنوري وعامل إقليم الفقيه بن صالح السيد محمد قرناشي ومدير الشؤون القروية بوزارة الداخلية السيد عبد المجيد الحنكاري وعدد من المسؤولين القضائيين والمنتخبين والفاعلين الاقتصاديين وممثلي المجتمع المدني، قاربت محورين يهمان “الوصاية الإدارية في تدبير أملاك الجماعات السلالية وسؤال التنمية المجالية” و”المنازعات القانونية والقضائية لأملاك الجماعات السلالية”.

ويندرج هذا اللقاء العلمي في إطار سلسلة من الندوات تعتزم وزارة الداخلية تنظيمها بشراكة مع الفاعلين المهتمين بقطاع أراضي الجماعات السلالية ، بهدف تنوير الرأي العام وعموم المواطنين بأهداف القوانين الجديدة ذات الصلة بهذا القطاع، ودورها في تعبئة هذه الأراضي السلالية من أجل إرساء تنمية محلية مستدامة ، وإدماج ذوي الحقوق في هذه المسار ، وتمكين المستثمر القروي المتوسط من العمل والاستثمار في هذه الأراضي.

ومع/حدث

التعليقات مغلقة.