قمة الرياض 2016 ترسم منحى استراتيجيا جديدا للعلاقات المغربية الخليجية | حدث كم

قمة الرياض 2016 ترسم منحى استراتيجيا جديدا للعلاقات المغربية الخليجية

16/12/2016

شكلت القمة المغربية الخليجية التي انعقدت في أبريل الماضي بالرياض، بمشاركة صاحب الجلالة الملك محمد السادس وقادة بلدان مجلس التعاون الخليجي، حدثا استثنائيا في سجل العلاقات التاريخية بين المغرب ومجلس التعاون لدول الخليج العربية
ورسمت هذه القمة منحى استراتيجيا جديدا في مسار تعزيز الشراكة المغربية الخليجية وتكريس التضامن الخليجي المغربي لمواجهة التحديات والمخاطر المحدقة بالمنطقة العربية
فعلى مدى العقود الماضية، نسجت المملكة المغربية وبلدان المجلس علاقات متينة تتأسس على وشائج القرب وتستمد قوتها من وحدة المصير والهدف، فشكلت تلك العلاقات إطارا مثاليا للعمل المشترك وتنسيق المواقف، سواء على المستوى الثنائي أو في إطار العمل العربي المشترك
غير أن التغيرات المتسارعة والأحداث المتلاحقة إقليميا ودوليا ألقت بظلالها الثقيلة على المنطقة منذرة باختلال التوازنات الإقليمية بما لذلك من تداعيات على أمن الدول وشعوبها، وفرضت واقعا جديدا أدركت معه المملكة وبلدان المجلس أهمية تعزيز شراكتها الاستراتيجية، بما يواكب تلك المتغيرات الجيو استراتيجية غير المسبوقة في المنطقة العربية
وفي هذا السياق الإقليمي الملتهب، عمل المغرب وبلدان مجلس التعاون الخليجي على فتح آفاق جديدة في مسار العمل العربي المشترك وترسيخ أسس التعاون المغربي الخليجي خدمة للأهداف والمصالح الحيوية المشتركة، وهو ما عكسته القمة المغربية الخليجية المنعقدة لأول مرة على أعلى مستوى من الجانبين
وبهذه المناسبة، أكد صاحب الجلالة الملك محمد السادس أن “الشراكة المغربية الخليجية، ليست وليدة مصالح ظرفية، أو حسابات عابرة. وإنما تستمد قوتها من الإيمان الصادق بوحدة المصير، ومن تطابق وجهات النظر، بخصوص قضايانا المشتركة“. 
وقال جلالته “إن هذه القمة تأتي في ظروف صعبة. فالمنطقة العربية تعيش على وقع محاولات تغيير الأنظمة وتقسيم الدول، كما هو الشأن في سوريا والعراق وليبيا. مع ما يواكب ذلك من قتل وتشريد وتهجير لأبناء الوطن العربي“. 
ولفت جلالته إلى “أننا أمام مؤامرات تستهدف المس بأمننا الجماعي. فالأمر واضح، ولا يحتاج إلى تحليل. إنهم يريدون المس بما تبقى من بلداننا، التي استطاعت الحفاظ على أمنها واستقرارها، وعلى استمرار أنظمتها السياسية. وأقصد هنا دول الخليج العربي والمغرب والأردن، التي تشكل واحة أمن وسلام لمواطنيها، وعنصر استقرار في محيطها“. 
ومن جانبه، أعرب خادم الحرمين الشريفين عن تقديره لمواقف المغرب المساندة لقضايا دول الخليج العربي، مؤكدا على تضامن دول المجلس جميعا ومساندتها لكل القضايا السياسية والأمنية التي تهم المملكة المغربية، وفي مقدمتها قضية الصحراء المغربية، والرفض التام لأي مساس بالمصالح العليا للمغرب
وقال خادم الحرمين الشريفين “أود أن أؤكد على ما نوليه جميعا من اهتمام بالغ لمعالجة قضايا أمتنا العربية والإسلامية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية والأزمة في سوريا وفي ليبيا، كما نؤكد حرصنا على أن ينعم العراق بالأمن والاستقرار“. 
وعلاوة على الاعتبارات الجيو استراتيجية، فإن هذه القمة تأتي أيضا في ظل رغبة الجانبين في تعزيز مسار التقارب متعددة الأبعاد بين الدول الستة لمجلس التعاون الخليجي والمغرب الذي أضحى يؤكد موقعه كمحور اقتصادي ومركز للتقاطع بين القارات
فالتعاون الاقتصادي والمالي بين المغرب ومجلس دول التعاون الخليجي عرف زخما أكبر على مدى العشر سنوات الأخيرة وما فتئ يتعزز أكثر بفضل الشراكة الاستراتيجية 2012-2017. ويتضح ذلك من خلال مؤشرات الحجم التصاعدي للاستثمارات والمصالح المشتركة، فضلا عن الاتفاقيات المتعددة والمنح المالية المقدمة للمغرب والتي تقدر بحوالي 5 مليار دولار
ويعكس هذا التعاون الاقتصادي والمالي الآخذ في التزايد إرادة الجانبين المضي قدما في إرساء شراكة اقتصادية تنهل من معين المؤهلات والآفاق الواعدة المتاحة لتنمية روابط التعاون الخليجي المغربي
وتأسيسا على ذلك، يمكن القول إن قمة مجلس التعاون الخليجي والمغرب، دشنت عهدا جديدا في مسار العمل العربي المشترك ونجحت في إرساء أسس تكتل استراتيجي للدفاع عن المصالح الحيوية لشعوبها. 
فقد عبر قادة القمة الخليجية المغربية في البيان الختامي للقمة عن “التزامهم بالدفاع المشترك عن أمن بلدانهم واستقرارها، واحترام سيادة الدول ووحدة أراضيها وثوابتها الوطنية، ورفض أي محاولة تستهدف زعزعة الأمن والاستقرار، ونشر نزعة الانفصال والتفرقة لإعادة رسم خريطة الدول أو تقسيمها، بما يهدد الأمن والسلم الإقليمي والدولي”. 
وانطلاقا من هذه الثوابت، أكدت القمة أن دول مجلس التعاون والمملكة المغربية تشكل “تكتلا استراتيجيا موحدا، حيث إن ما يمس أمن إحداها يمس أمن الدول الأخرى”. 
وجدد قادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية موقفهم المبدئي من أن قضية الصحراء المغربية هي أيضا قضية دول مجلس التعاون، وأكدوا موقفهم الداعم لمغربية الصحراء، ومساندتهم لمبادرة الحكم الذاتي التي تقدم بها المغرب، كأساس لأي حل لهذا النزاع الإقليمي المفتعل. كما أعربوا عن رفضهم لأي مس بالمصالح العليا للمغرب إزاء المؤشرات الخطيرة التي شهدها الملف في الأسابيع الأخيرة قبل انعقاد القمة. 
تأكيد والتزام دول مجلس التعاون الخليجي بالدفاع عن المصالح العليا للمغرب أثناء القمة عكسته مواقف هذه الدول في العديد من المحطات والمحافل الدولية التي يحاول فيها الخصوم عبثا المس بالوحدة الترابية للمملكة. 
فعلى مستوى الأمم المتحدة، أكدت وفود دول المجلس بالمنظمة في السابع من أكتوبر الماضي “رفضها لكل محاولة ترمي إلى المساس بالمصالح العليا للمغرب وسيادته”، مذكرة في هذا الصدد ببيان الرياض الصادر عن القمة الخليجية المغربية والذي “جدد التأكيد على الموقف المبدئي لدول مجلس التعاون الخليجي للدول العربية المتمثل في دعم موقف المملكة المغربية وتأييد مبادرة الحكم الذاتي بالصحراء”. 
وأكد السكرتير الأول بالوفد الدائم للمملكة العربية السعودية لدى الأمم المتحدة، منال حسن رضوان، في كلمة بالنيابة عن مجلس التعاون لدول الخليج العربية، بالمناسبة أن مبادرة الحكم الذاتي تشكل “خيارا بناء يهدف إلى التوصل إلى حل مقبول” من الأطراف. 
وجددت هذه الدول أيضا موقفها المبدئي من القضية الوطنية أثناء القمة العربية الإفريقية الرابعة التي احتضنها جمهورية غينيا الاستوائية في نونبر الماضي من خلال قرار المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين ودولة قطر وسلطنة عمان إلى جانب دول عربية وإفريقية أخرى الانسحاب من القمة بسبب “وضع علم ويافطة باسم كيان وهمي داخل قاعات الاجتماعات”. 
وفي تقرير أصدرته الأمانة العامة للمجلس قبيل انعقاد المجلس الأعلى لمجلس التعاون لدول الخليج العربية في دورته ال37 بالعاصمة لبحرينية المنامة يومي 6 و7 دجنبر الجاري، أبرز المجلس أهمية شراكته الاستراتيجية مع المملكة المغربية، وأكد حرصه على تعزيزها وتطويرها بما “يخدم المصالح المشتركة للجانبين ويحقق طموحات وآمال الشعوب وتعزيز أواصر الصداقة والتواصل بينها”. 
وأكد التقرير أن الشراكة الاستراتيجية بين دول المجلس والمملكة المغربية تعززت خلال العام المنصرم تنفيذا لخطة العمل المشترك التي سبق إقرارها في اجتماعات وزراء خارجية دول المجلس والمملكة، مشيرا في هذا الصدد إلى عدد من الاجتماعات التي عقدتها فرق العمل المشتركة لدول المجلس والمملكة خلال العام الجاري، والتي شملت عددا من المجالات من قبيل السياحة والنقل والثقافة والاعلام. 
وفي البيان الختامي الصادر عن المجلس الاعلى لمجلس التعاون لدول الخليج العربية في ختام دورته السابعة والثلاثين بالبحرين، أعرب قادة دول المجلس عن ارتياحهم “لما تحقق من تقدم في تعزيز الشراكة الاستراتيجية القائمة مع كل من المملكة الأردنية الهاشمية والمملكة المغربية، ترسيخا لعلاقات الأخوة الوطيدة التي تجمع دول المجلس مع البلدين الشقيقين”. 
وتسجل المملكة المغربية، باعتزاز، أن دول مجلس التعاون الخليجي لطالما عبرت عن دعمها وتأييدها وتضامنها معها، في الدفاع عن مصالحها ونصرة قضاياها العادلة، كما وقفت دوما إلى جانبها، وكانت مواقفها ووجهات نظرها تتسم بالتطابق. 
فالمغرب يؤمن بأن علاقاته مع دول المجلس متجذرة في التاريخ ولا ترتهن إلى الظرفية السياسية العابرة، وهو ما عكسته القمة المغربية الخليجية في أبريل 2016، من خلال تأكيدها المضي قدما في مأسسة تلك العلاقات بما يمكن من إرساء قدرة تفاوضية إزاء مكونات المنتظم الدولي للدفاع عن القضايا العادلة لشعوب ودول المنطقة. 

حدث كم/ماب

التعليقات مغلقة.