د.طارق اتلاتي:جلالة الملك له من الصلاحيات والاختصاصات الدستورية لمخاطبة الشعب والبرلمان.. أو تأجيل خطب معينة أو إلغائها.. وفق التقديرات الملكية
في تفاعل أكاديمي مع قرار القصر الملكي القاضي بإلغاء خطاب ذكرى ثورة الملك والشعب التي تصادف الـ20 غشت من كل سنة، يرى المركز المغربي للدراسات والابحاث الاستراتيجية من منطلق تفكيكه للمرجعية الفلسفية التي أطرت القرار الملكي، أن هذا الاخير ينسجم كلية مع الصالحيات الدستورية وكذا السلطات التقديرية الواسعة التي يتمتع بها جلالة الملك محمد السادس، ومن خلاله المؤسسة الملكية بشكل عام في مخاطبة الشعب و مؤسسة البرلمان أو فيما يتعلق بقضية التواصل ومخاطبة باقي دول العالم.
بل أن اختصاصات الملك الدستورية وكذا الاعراف الملكية الدستورية المرعية في تدبير شؤون العباد والبلاد، بصفته رئيس الدولة والقائد الاعلى ورئيس أركان الحرب العامة، وأمير المؤمنين وممثل الامة، تمنح لجلالته دون قيد أو شرط اتخاذ المتعين بشأن كل ما يتعلق بالقضايا السيادية الكبرى للبلاد، مع صلاحية اختيار الصيغ واعتماد المقاربات في الزمان والمكان التي يراها جلالته مناسبة، في توافق وانسجام كاملين مع كل ما تصدح به مقتضيات دستور المملكة المغربية، وكذا الاعراف الملكية السائدة لعقود وقرون من الزمن الوجودي للملكية بالمغرب .
وفي المنحى ذاته يمكن لجلالة الملك أن يتوجه إلى شعبه عبر خطب رسمية مكتوبة وأخرى شفوية عبر كلمات إرتجالية سامية، أو تأجيل خطب معينة أو إلغاء خطب بعينها وفق التقديرات الملكية، والقناعات السياسية الواقعية ذات الصلة، ماعدا خطاب افتتاح الدورة التشريعية للبرلمان بغرفتيه، باعتباره مقيدا ومؤطرا دستوريا وبأجل محدد، بالاستناد للفصل 68 من الدستور الذي ينص على أن البرلمان يعقد جلسات مشتركة بغرفتيه، وعلى رأسها جلسة افتتاح الملك لاشغال الدورة التشريعية في الجمعة الثانية من شهر أكتوبر، والاستماع الى الخطب الملكية السامية الموجهة الى ممثلي االمة بالبرلمان.
وبالتالي فجلالة الملك له من الصلاحيات والاختصاصات الدستورية الواسعة، وكذا الاعراف الدستورية لمخاطبة الشعب والبرلمان شفويا، سواء تعلق الامر بمناسبة دينية أو ذكرى وطنية أو محطة سياسية أو حالة اجتماعية أو ظرف اقتصادي معين أو حدث دولي فرضته الظروف وفق تقديرات وقراءات ملكية سامية.
ومعلوم في الاعراف الدستورية أن المؤسسة الملكية يمكن لها أن تتواصل مع المؤسسات الوطنية والفاعلين السياسين والشركاء الاقتصادين على اختلاف مرجعياتهم، عبر الرسائل الملكية المكتوبة في مناسبات وقضايا معينة وفق الرؤى والتقديرات الملكية. وهي آلية تواصلية لابلاغ الخطب لا تستند بالضرورة على مقتضيات دستورية.
وتأسيسا على هذه المقاربة، يمكن القول ان قرار إلغاء جلالة الملك محمد السادس لخطاب ذكرى 20 غشت المجسدة للملحمة التاريخية لثورة الملك والشعب،لا يتعارض ومقتضيات دستور المملكة المغربية كما يحاول البعض الترويج له من منطلقات وقراءات تأويلية خارجة عن النص الدستوري الصرف، لان القرار الملكي ألغى الخطاب ولم يلغ الذكرى التاريخية، بل أوصى البلاغ الملكي المرتبط بالقرار بالابقاء على الطابع الاحتفالي بكل روافده ومعانيه الاجتماعية والتاريخية والسياسية، لما تمثله ذكرى ثورة الملك والشعب في نفوس المغاربة وحياة القصر الملكي من دلالة ورمزية وتلاحم وتضحية ونضال غير مسبوق في تاريخ الامم. وبالتالي فاستحضار هذه الذكرى التاريخية بكل حمولتها السياسية والثقافية والاجتماعية ، هي في الاصل تقعيد لاصول ربط الماضي بالحاضر واستشراف للمستقبل بكل ما تحمله الكلمة من معنى .
وفي قرار إلغاء خطاب هذه الذكرى ، رسالة ملكية سامية تروم التأكيد على أن المغرب والمغاربة قاطبة قد قطعوا بشكل لا رجعة فيه مع رواسب الماضي الاستعماري البغيض، ومع عقده المتكلسة في عقول الحالمين بالعودة إلى مراحله البغيضة. بل هو إشارة ملكية ذكية للقفز بكبرياء ٍ وتعال على ما يمكن اعتباره مخلفات ريع الذاكرة الذي حولته دول بعينها الى سجل تجاري ماضاوي رخيص في تدبير علاقاتها مع بعض دول الاستعمار الغاشم.
بمعنى أوضح، ان قرار الملك إلغاء خطاب ذكرى ثورة الملك والشعب، هو تكريس لمقومات الدولة الحديثة بكل المقاييس الرافضة للعيش رهينة محطات تاريخية قد تقيد حركة الدولة باتجاه استشراف المستقبل بكل رهاناته وتحدياته، وتضييق هامش المناورة لتحقيق المبتغى الذي يتطلع إليه جاللة الملك محمد السادس من أجل جعل المملكة المغربية في المسار الصحيح والقويم للتنمية والاصالح والديمقراطية الحقة ومن خلالها الدولة الاجتماعية بمقوماتها الحديثة الرافعة لمكانة المملكة المغربية بين الامم.
د.طارق اتلاتي.. رئيس المركز المغربي للدراسات والابحاث الاستراتيجية
التعليقات مغلقة.