ثورة الملك والشعب في ذكراها الـ63 : ملحمة متواصلة لصيانة الوحدة والدفاع عن ثوابت الأمة في إطار من التعبئة الشاملة – حدث كم

ثورة الملك والشعب في ذكراها الـ63 : ملحمة متواصلة لصيانة الوحدة والدفاع عن ثوابت الأمة في إطار من التعبئة الشاملة

بقلم .. إدريس اكديرة : في سجل الكفاح الوطني من أجل الحرية والاستقلال، وفي رقيم الذاكرة الوطنية للنضال من أجل الانعتاق والتحرر، تبرز ثورة الملك والشعب،التي يخلد الشعب المغربي، يوم السبت المقبل، ذكراها الثالثة والستين، كمناسبة وطنية خالدة تجسد التلاحم الوثيق بين العرش والشعب في ملحمة متواصلة الحلقات لصيانة الوحدة والدفاع عن ثوابت الأمة في إطار من التعبئة الشاملة وراء صاحب الجلالة الملك محمد السادس، ولحظة وضاءة متجددة لاستلهام العبر في التضحيات والتلاحم وربط الصلة بين مسيرات الأمس واليوم المظفرة والخالدة.
وذلك ما أكده جلالة الملك، في خطابه السامي بمناسبة الذكرى ال61 لثورة الملك والشعب، حيث قال جلالته،مخاطبا شعبه الوفي ،إن تخليد هذه الذكرى “ليس فقط لكونها ملحمة وطنية، من أجل الحرية والاستقلال، وإنما لتجديد العهد على جعلها ثورة متواصلة، لتحقيق تطلعاتك المشروعة، وتعزيز مكانة المغرب، كفاعل وازن، في محيطه الجهوي والدولي”.
ويخلد الشعب المغربي، هذه السنة، بكل فخر واعتزاز، حدثين مشرقين في تاريخ المملكة العريق يستلهم من خلالهما روح الوفاء والعطاء المستمر والتلاحم الوثيق بين العرش والشعب، يتمثلان في الذكرى ال63 لملحمة ثورة الملك والشعب (20 غشت)، وعيد الشباب (21 غشت)، الذي يعبر عن الحرص الدائم لجلالة الملك على تأهيل هذه الفئة من رعاياه التي تجسد طموح الشعب حتى تضطلع بدورها كاملا في بناء مستقبل الوطن.
ويستحضر الشعب المغربي وهو يخلد هذه الذكرى الوطنية المجيدة، المقترنة ببشائر أفراح الذكرى الرابعة والخمسين لميلاد جلالة الملك محمد السادس، ما تجسده من قيم التضحية والتضامن الوطني، والبطولة والفداء، في سبيل حرية المغرب وكرامة مواطنيه، وباعتبارها محطة لتجديد الالتحام الأبدي بين العرش والشعب، والتأكيد على ثوابت الأمة التي تشكل هويتها الحضارية.
وتتجدد ذكرى هذه الثورة المجيدة، التي جسدت أروع صور التلاحم في مسيرة الكفاح الوطني الذي خاضه الشعب المغربي بقيادة العرش العلوي المجيد في سبيل حرية الوطن وتحقيق استقلاله ووحدته، في ال20 غشت من كل سنة لاستلهام روح الوفاء والعطاء المستمر لمواصلة حمل مشعلها من أجل استكمال بناء مغرب الوحدة والتقدم والتنمية الشاملة.
وكما قال صاحب الجلالة الملك محمد السادس، في خطابه السامي بمناسبة الذكرى ال62 لثورة الملك والشعب، “وهي مناسبة سنوية لاستلهام روح التضحية والوطنية الصادقة، التي جسدها جيل التحرير والاستقلال”.
هذه الملحمة كانت انتصارا لقضايا الوطن ومصالحه العليا وطموحاته الرامية إلى انتزاع حقوقه المشروعة في الحرية والاستقلال والوحدة الوطنية، كما أن الدلالات التاريخية والأبعاد الرمزية التي يتضمنها هذا الحدث الوطني الكبير تعزز ما يطفح به تاريخ المغرب من أمجاد وبطولات وروائع للكفاح الوطني صنعها عرش مجاهد وشعب أبي.
ملحمة ثورة الملك والشعب، التي لها في قلب كل مغربي مكانة سامية لما ترمز إليه من قيم حب الوطن وانتصار إرادة العرش والشعب، مناسبة كذلك لإبراز مظاهر التعبئة الشاملة والتجند التام تحت القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، الذي يحمل مشعل صيانة الوحدة الترابية للمملكة وإعلاء صروح مغرب الحداثة والديمقراطية والتنمية.
يقول جلالة الملك محمد السادس، في خطابه السامي بمناسبة ثورة الملك والشعب وعيد الشباب السعيد لعام 2000، إن تخليد الذكرى المجيدة لثورة الملك والشعب يأتي “لما ترمز إليه من معاني الوطنية، وقيم الفداء من أجل استرجاع السيادة والاستقلال، وبناء مغرب ينعم بالحرية والتقدم في ظل ملكية دستورية ديمقراطية واجتماعية”، مضيفا جلالته “وما أحوجنا في الظرف الحالي لاستلهام روح ومغزى هذه المناسبة الخالدة … على درب توطيد المسيرة الديمقراطية التنموية … لرفع تحديات محيطنا الجهوي والدولي”.
لقد كانت ثورة الملك والشعب محطة تاريخية بارزة في مسيرة النضال الذي خاضه المغاربة عبر عقود وأجيال لدحر قوات الاحتلال، فقدموا نماذج رائعة وفريدة في تاريخ تحرير الشعوب من براثن الاستعمار، وأعطوا المثال على قوة الترابط بين مكونات الشعب المغربي وتوحده قمة وقاعدة، واسترخاصهم لكل غال ونفيس دفاعا عن مقدساتهم الدينية وثوابتهم الوطنية وهويتهم المغربية.
ويندرج تخليد هذه الذكرى في إطار وصل ماضي المغرب التليد بحاضره المجيد، المليء بالملاحم والبطولات التي صنعها العرش والشعب، للذود عن المقدسات والثوابت الوطنية، واستقراء الذاكرة الوطنية واستلهام ما تزخر به من قيم سامية ودلالات عميقة وتضحيات جسام دفاعا عن مقدسات الوطن ومقوماته وثوابته الراسخة.
إنها ذكرى جليلة وعظيمة يجب الوقوف عندها في كل تجلياتها وأبعادها، باعتبارها مرحلة حاسمة في تاريخ المغرب وتحريره واستقلاله، والتي كان من سر نجاحها الولاء والوفاء المتبادل، والإخلاص العميق، والتلاحم المتين القائم بين العرش العلوي والشعب المغربي.
ثورة الملك والشعب ملحمة وحدت إرادة قائد بأمته وشعبه، وصنعت المعجزات، وتواصلت باستكمال استقلال أجزاء من التراب الوطني وتحقيق الوحدة الترابية بقيادة مبدع المسيرة الخضراء وباني المغرب الحديث جلالة المغفور له الحسن الثاني، طيب الله ثراه، وبما يعرفه المغرب في العهد الزاهر لسادس المحمدين، نصره الله وأيده، من إنجازات ومكاسب هامة شملت٬ على الخصوص٬ إصلاح الحقل السياسي من خلال تطوير الآليات الديمقراطية، والإصلاحات الهامة التي عرفها الحقل الديني، والعمل على توفير موارد العيش للمواطنين والمواطنات بما يسهم في حل المشاكل المادية٬ علاوة على الجهود الحثيثة المبذولة لتحقيق التنمية البشرية، من خلال إطلاق مبادرات ومشاريع مدرة للدخل٬ في سعي إلى تحقيق ما أمكن من التوازنات الاجتماعية والنمو الاقتصادي.
ومما ورد في الخطاب السامي لجلالة الملك محمد السادس، بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب وعيد ميلاد جلالته (غشت 2012)، “إن تخليدنا لذكرى ثورة الملك والشعب، في تزامن مع عيد الشباب، يشكل مناسبة وطنية متميزة لتجسيد مدى تلاحم العرش والشعب، وتأكيد عمق العلاقة الوطيدة بين إنجازات المغرب الكبرى، وبين القوى الحية للأمة وفي طليعتها الشباب. فمن ملحمة ثورة الملك والشعب نستلهم قيم البطولة والفداء، والتضحية والوفاء، في سبيل حرية المغرب ووحدته وسيادته، ومن عيد الشباب نبرز دور الشباب المغربي الواعد في بناء مستقبل يليق بأمجاد الماضي وعظمته”.
إن أبلغ درس لهذه الملحمة العظيمة هو أنها شكلت، كما قال جلالة الملك ، مدرسة للوطنية المغربية الحقة، للدفاع عن الوحدة الوطنية والترابية والمذهبية، في إطار الالتحام المكين بين الشعب والعرش، الذي كان السد المنيع في وجه كل المؤامرات، والرافعة القوية لكل التحديات، والكفيل بتحقيق انتظارات المغاربة في تثبيت السيادة، والقضاء على الجهل والانغلاق والتخلف، وعلى المرض والإحباط والتعصب والتطرف، ووضع البلاد على قاطرة التأهيل الشامل، ومواجهة تحديات الألفية الثالثة.

ومن ثمة تبرز أهمية نقل دلالات هذا اليوم المجيد للأجيال الحالية والمستقبلية، وتعميق صورتها في أذهانهم، حتى يطلعوا على هذه الصفحة المضيئة من كفاح الآباء والأجداد، وكذا أهمية المبادرات التي تروم تعريف الناشئة بهذه الذكرى الغالية، لتستنير بمعانيها وقيمها، وتستجلي أقباسها، تماشيا مع التوجيهات الملكية السامية، الداعية إلى استحضار بطولات الشهداء والمقاومين والتزود من معاني الجهاد وتنوير أذهان الأجيال بما يزخر به تاريخ المغرب من حمولة ثقيلة من المثل العليا وقيم التضحية والالتزام والوفاء وحب الوطن.
وقد حرص جلالة الملك، في العديد من خطبه السامية، على التذكير بدلالات ثورة 20 غشت، حيث أكد جلالته أن ثورة الملك والشعب “دخلت سجل الخلود ليس كحدث تاريخي عابر، وإنما كمذهب متكامل، لاسترجاع السيادة، وإرساء الملكية الدستورية الديمقراطية، والقضاء على التخلف والجهل والانغلاق”.
وما فتئ جلالته يحث على مواصلة هذه الملحمة الخالدة والمتجددة، “من أجل توطيد صرح مغرب كامل الوحدة والسيادة، يوفر المواطنة الكريمة لجميع أبنائه، ويحقق التنمية الشاملة لكل جهاته، في ظل التضامن والعدالة والإنصاف”، لذلك يؤكد جلالة الملك أن ثورة الملك والشعب “ثورة متواصلة، تتطلب التعبئة الجماعية، والانخراط القوي في أوراشها التنموية، لرفع التحديات الحالية والمستقبلية، وتحقيق التطلعات المشروعة لمواطنينا”.
واستلهاما من المأثورة التاريخية لجده المنعم المغفور له محمد الخامس، طيب الله ثراه، بعد عودته من المنفى ونجاح ثورة الملك والشعب “لقد خرجنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر” أي الانتقال من معركة الاستقلال إلى معركة البناء، يواصل باعث النهضة المغربية، جلالة الملك محمد السادس، مسيرة الجهاد الأكبر ارتقاء بالوطن في مدارج التقدم والحداثة، وترسيخ الديمقراطية، وتعزيز النهضة التنموية الشاملة والمستدامة بكل أبعادها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والفكرية والبشرية، وإذكاء الإشعاع الحضاري للمغرب كقلعة عريقة متمسكة بقيم السلام والإخاء وفضائل التضامن والتعاون والاعتدال والتسامح والمبادئ الإنسانية المثلى.
وإن استمرارية ثورة الملك والشعب تستوجب تمثل روحها الوطنية العالية، ورسالتها القدسية التي تنشد حب الوطن، والغيرة الوطنية الجامحة، والاعتزاز بالانتماء الوطني، باعتبار ذلك من أساسيات المواطنة الحقة والتربية الصالحة التي ينبغي غرسها في وجدان وعقول الناشئة.
وقد تضمن الخطاب الملكي السامي بمناسبة الذكرى الذهبية لثورة الملك والشعب (20 غشت 2003) إشارات قوية وتوجيهات رائدة لاستمرارية ثورة الملك والشعب “إن على المغاربة جميعا أن يظلوا أوفياء لروح 20 غشت، في التشبث بقيم الوطنية، وتربية أبنائهم على حب الوطن، الذي جعله ديننا الحنيف من مقومات الإيمان، ولن نبلغ ذلك إلا بترجمة الوطنية إلى مواطنة، ونقل الوعي الوطني من مجرد حب الوطن، إلى التزام فعلي بالمساهمة في بناء مغرب يعتز المغاربة بالانتماء إليه”.
وسيظل صدى هذه الملحمة التاريخية الكبرى، التي تكللت بالعودة المظفرة لبطل التحرير والاستقلال جلالة المغفور له محمد الخامس محفوفا بوارث سره ورفيقه في الكفاح جلالة المغفور له الحسن الثاني، طيب الله ثراهما، والأسرة الملكية الشريفة، من المنفى إلى أرض الوطن في 16 نونبر 1955، وإعلان بشرى انتهاء عهد الحجر والحماية وبزوغ فجر الحرية والاستقلال، مترددا تستحضرها الأجيال المتعاقبة، وتغترف من ينابيعها الطافحة بالأمجاد والمرصعة بأبهى صور التلاحم المتين التي تجمع بين الشعب المغربي والعرش العلوي.
وستبقى هذه الذكرى العظيمة شعلة مضيئة، وعنوانا للوفاء والإخلاص، ولذلك يحرص جلالة الملك محمد السادس على استحضار دلالاتها كلما حلت مناسبتها الجليلة، ليعيد للأمة صورة من تاريخها المجيد وبطولتها الخالدة. قال، جلالته، في خطاب 20 غشت 2000، “وعلى الرغم من أنه مر على أحداث هذه الثورة نحو نصف قرن، فإن وقائعها ما تزال متمثلة في أذهان المغاربة المطبوعين على الوفاء والإخلاص، ومرتسمة في قلوبهم، يستحضرونها كل عام، وسيظلون مستذكرين لها مهما امتدت السنون والأعوام، ومن خلالها يسترجعون صحائف رائعة من التاريخ المجيد الذي كتبه أبناء هذا الوطن بدمائهم الزكية الطاهرة بأحرف نورانية باهرة”.
إن استحضار القيم الرمزية والدلالية العميقة لثورة الملك والشعب هو كذلك واجب ديني ووطني وإنساني وتاريخي لاستقراء الدروس من عبق التاريخ، ولتكريس ثقافة العرفان والاعتراف بما أسداه الوطنيون المجاهدون الصادقون للمغرب والوفاء لعطاءاتهم وتفانيهم في الدفاع عن حوزة الوطن، وكذا تعزيز قيم التضامن داخل المجتمع والمواطنة الحقة التي تعد الزاد الأساسي لكل المغاربة لمواجهة كل التحديات الآنية والمستقبلية بنفس العزيمة والإرادة.
من مكنون هذه المعاني يخلد المغاربة، هذه السنة،الذكرى الثالثة والستين لثورة الملك والشعب، المقترنة بأفراح عيد الميلاد السعيد لجلالة الملك محمد السادس، مستلهمين من الحدثين المجيدين العزم على مواصلة مسيرة التطوير والحداثة والبناء، بكل تصميم وإصرار، وأمانة وإكبار، واعتزاز واستنفار، لكل جميع عناصر وأفراد المجتمع، ومن أجل تقدير التضحيات التي بذلها السلف، في سبيل النهوض بالوطن إلى مستويات أسمى وأرقى، والسمو به إلى مدارج الرفعة والتقدم التي يطمح إليها أبناؤه.

 

 

التعليقات مغلقة.